الأربعاء, يناير 8, 2025

إسرائيل لا تملك برنامج ما بعد الحرب وأنظمة دول الإقليم لا تملك برنامج ما بعد القمع

أحمد الخمسي

إسرائيل لا تملك برنامج ما بعد الحرب

وأنظمة دول الإقليم لا تملك برنامج ما بعد القمع

أحمد الخمسي

يوم ما بعد الحرب، من جانب المقاومة، إما دولة فلسطينية وإما المزيد من الحرب. هذا هو المنطق العام.

أما بعد وضع المنطق العام (كما لو كان مرسوما على ورقة) تحت المجهر لتدقيق جغرافية المخيلة لكل واحد منا، فسيعود بنا الى سنة 2006، بعد الانتخابات الفلسطينية واندلاع حرب الاعتقالات المتبادلة ما بين فتح وحماس في كل من الضفة والقطاع. كان وراء الانشقاق البئيس ساعتها من ساهموا في تهشيش الأنظمة الأضعف في المنطقة من بعد. ومن صنعوا من الطائفية المذهبية جدارا ذاتيا للدفاع عن أنظمتهم الشمولية، العسكرية منها والدينية و”الليبرالية” الطبقية المفترسة.

خلال 18 سنة الأخيرة (2006- 2024)، تكررت الاتفاقات بين فتح وحماس بصدد تشكيل حكومة وحدة وطنية، عتبة/شرط كل اتفاق بين الفلسطينيين جميعا والمحيط الإقليمي/الدولي.

تجربة سلبية النفوذ الخارجي في الشرق الأوسط، رغم وجود الدولة، منذ انتهاء الحرب الباردة، ومرورا بالربيع العربي، سلبية أقوى من رغبة الأطراف الداخلية أو بتقاسمهم المسؤولية.

تظهر هذه السلبية الخارجية المؤثرة، إما عبر انقسام الكيان السياسي الأصلي (اليمن، ليبيا، السودان)، وإما عبر خروج مناطق عن سيطرة الدولة (شرق وشمال سوريا)، وإما عبر الفراغ المؤسساتي في أحد مربعات الدولة سواء رئيس الجمهورية (لبنان) أو رئيس البرلمان (العراق).

هذا التأثير السلبي للمحيط الإقليمي والدولي، الذي يترك القوى الوطنية في البلد الواحد منقسمة على نفسها، أعقد من طاقة الصمود الوطني ضد الاحتلال الأجنبي المباشر. فانخراط المواطن لمقاومة الأجنبي مسألة كرامة ضد الأجنبي المعتدي، استجابة تلقائية ومساهمة جماعية معادلتها تكبر فيها نسبة الموت أكبر من حظوظ البقاء على قيد الحياة.

لكن مسلسل اضطهاد الحكام ذوي القربى، التجربة معروفة، من المحيط الى الخليج، يتوحد الاستبداد في مناطق الرجعية والتطبيع وفي مناطق المقاومة والتخوين. وأساليب التضبيع والتطويع في المعسكرين، تبدأ باحتكار وسائل التعبير وتمر بالاعتقال لتنتهي جميعا بالإعدام/الاغتيال، مسلسل مؤلم لكل المعارضين. والرمي بالمعارضين نحو الهلاك يمر اما بالتنسيق الرسمي مع الموساد أو برمي الإخوة في الوطن الى تهمة التخابر مع الموساد عبر التخوين.

ما بعد الحرب، حقيقة مأزق تخفيه جثث المذابح الصهيونية الحالية. بؤس السياسة في المنطقة العربية الإسلامية، بؤس في غاية التعقيد. من الخليج إلى المحيط. من السلطة الى المعارضة.

تحدث ياسين الحافظ منذ ما يقرب نصف قرن عن الوعي المفوت. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أضيف تكلس الأدمغة وانهارت السياسة أمام الاقتصاد النيوليبرالي وصارت الأحزاب تعتبر مجرد أدوات “الوساطة” وصارت البرامج الحزبية مجرد “عروض” سياسية تتنافس في تقديم بضاعتها التوسطية، وحذقت القيادات والنخب في الركوب على مساطر المؤتمرات لتسحب شرعية الحديث باسم من “تمثل” هم وعليهم في البرلمان. ولعب الزمن على الألوان الحزبية ففقدت نضارتها وأصبحت الرموز والشعارات مخدومة وفاقدة الطاقة، سوى طاقة بطاقات الشباك البنكي.

ضجيج الشعبوية مثل النبات الطفيلي الذي ينمو فوق قبور الموات الشعبي، وانشغال الأجيال الجديدة برفع الحيف والبطالة عن عاتقها، لا يوفر للقضية العادلة المركزية محيطا نشطا ملعلعا. حتى إذا صرفت الصين وقتا للتوسط بين الفرقاء الفلسطينيين، فسوف يعترض الفرقاء الاقليميون.

سوف تستمر الأنظمة المحلية والإقليمية في غيّها، لأنها استطاعت تكييف قيادات حزبية مفرغة من الفكر الإصلاحي بسبب احتكار وسائل التعبير، فجفت المنطقة العربية من مطر الحرية الذي يخصب الأرض السياسية. تقف الأنظمة اليوم فوق أرضية جافة متشققة.

تتفوق الصهيونية والامبريالية بخصوبة المظاهرات وبامتلاء ملاعب كرة القدم فتتجدد حياة المجتمع هناك، من ملاعب الكرة الى ساحات الجامعات. رئيس اكبر دولة رأسمالية لا يعيب سياسته أن ينزل علم فلسطين فوق واجهة الفندق حيث يجتمع مع الصحافة، ولو كان الطلبة أنصار العلم الفلسطيني يتهمونه بالمشاركة في قتل 133 صحافي فلسطيني وهو يحكي النكت عن منافسه في الترشح للانتخابات المقبلة بمعية مراسلي بيته الأبيض لدى الصحافة.

أما قتلى فلسطين فيحيط بهم عالم من الأموات الأحياء وفرق مدججة بالسلاح خائفة من أبسط جمهور في ملعب من ملاعب كرة القدم. بالأحرى جمهور السياسة. فهيهات هيهات.

ما دامت الأنظمة الأربعة المحيطة مباشرة بفلسطين، مصر والسعودية وايران وتركيا لم تتفق على أرضية مشتركة، بصدد الحل الفلسطيني الفلسطيني، فسوف يبقى الوهم المزدوج الوجهين (مقاومة/تطبيع)، بضاعة رائجة تحت نيران الصهاينة. المؤشر الذي يفقأ العين ويبز المنطق البسيط، بالأحرى المنطق السياسي حيث تختفي المصالح العالمية والإقليمية، المؤشر في سوريا شمالا وشرقا وفي ليبيا وفي السودان وفي اليمن، بالمناسبة ياسين الحافظ من الرقة.

 

رفح ورقة التوت تخفي بشاعة السياسة لدى الأطراف جميعا. عفونة الصهيوني الذي يقتل المدنيين اليوم فاقعة، وهو يعلم أن أمريكا لم تتوقف عن قتل الفيتناميين سوى بعد تحرك الطلبة ومخرجي هليود معا. أما فرنسا التي قتلت 45 ألف جزائري في تظاهرات “8 ماي”، فلم تقتنع بقتل المدنيين سوى بعد صدور بيان 121 لأشهر المثقفين الذين كتبوا نهارا جهارا سنة 1961 حق المجندين الفرنسيين في رفض الخدمة العسكرية في الجزائر.

فيتو أمريكا ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة وشماعة رفح من طرف حكومة الاحتلال الصهيوني العنصرية علامة على عدم تهيؤ الإقليم برباعيته المذكورة أعلاه (مصر/السعودية/ايران/تركيا) لوقف الحرب تهيئا جديا. فالاقليم الرسمي يقتات من جدد شهداء فلسطين في انتظار.

في الفييتنام سابقة عقل جياب الذي هزم أكبر جيش نظامي في العالم وجياب لم يتلق درسا واحدا في كلية من الكليات العسكرية. فكيف يخرج من فلسطين يحيى السنوار منتصرا رفقة الضيف صاحب الإرادة الحديدية وابن الدار؟

فلسطين اليوم نذير تحول جوهري في النظام العالمي. لذلك، لا بأس من سقوط المزيد من الشهداء ريثما يرتب الأطراف جميعا مواقعهم المحتملة في رقعة النظام العالمي المتحول.

ولنتخيل، شعوب سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، الذين سيجدون حزم المقاومة الفلسطينية وفر الزمن للفلسطينيين وتقدم بهم نحو تحطيم صورة العدو الذي لا تهزمه الدول المجاورة، بينما هزمته المقاومة غير النظامية؟ بينما تزمن الأزمات المسلحة منذ 2011 الى اليوم؟ ثم لنتخيل الأنظمة التي تسلك الخضوع للغرب والقمع لشعوبها؟ لا أحد من الدول المجاورة لفلسطين يسعد بخروج السنوار والضيف منتصرين.

مما يفتح أسئلة متتابعة بعد وقف الحرب. أسئلة تنفتح منها عيون الوعي المتدفق وتتفتح العيون التي لا تبصر اليوم طريق الخلاص العربي.

قنطرة المرور من النظام العربي المتهالك الى نظام عربي ملائم لنظام عالمي جديد يتشكل هو الذي يؤدي الفلسطينيون ضريبته بالدم. أما من حيث مستوى التعليم والصحة فلن نجد بلدا عربيا بمقياس مساحة غزة الصغيرة حيث 35 مستشفى وأكثر من جامعة ومهندسون في الاعلاميات يستطيعون إحداث الخلل في النظام الالكتروني للقبة الحديدية؟

لا أحد في السلطة بالمنطقة يرغب رؤية صعود صورة المارد الفلسطيني في سماء المنطقة العربية.

مع ذلك، تستطيع المنطقة، من خلال البرامج البنيوية التي دخلت في إنجازها، قادرة لمواكبة النفس الشعبي التحرري الموازي من تحت. العائق المتبقي هو أن الأنظمة القائمة وهي صالحة للبقاء في الزمن، ما زالت عالقة في الخوف المفرط من شعوبها. ولا تملك برنامج ما بعد القمع الحالي. مثل ما تفتقد إسرائيل الى الآن برنامج ما بعد الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist