عقلية “الحماية” هي ما يخرب سياسة الرياضة في هذا البلد الجميل
حتى لا يذهب القارئ بمخيلته بعيدا ف”يتهمنا” بتلفيق “التهم الجاهزة”. ذِكْرُ “الحماية” في هذا المقال التقاط من مقال بالفرنسية حول مهاتفة العاهل الأردني للمدرب المغربي حسين عموتة.
المقال منشور في موقع الكتروني، ردّد أكثر من مرة فريق الأردن من خلال مجموعة اللاعبين واصفا لهم بنعت “محميي عموتة”.
« Protégés de Ammouta »
لو استشار كاتب المقال حسين عموتة لما وافق على نعت علاقة المدرب الحسين باللاعبين الأردنيين على وضعها ضمن مفهوم الحماية.
إن من يجعل عمله الصحافي تحديا يوميا لكسب رهان الاحترام من طرف القراء عليه أن لا يتوقف عن قراءة اللغة التي يكتب بها. وعليه أن يدقق قاموسه الصحافي من الناحية القانونية والتاريخية.
أما والمقال يذكر العاهل الأردني الذي يعتبر – ضمن التقاليد الدستورية في العالم- الحامي لمواطنيه من بين مسؤولياته كرئيس دولة، ومن باب الحصر وليس المثال، نتمنى ألا تؤول السفارة الأردنية النعت الرابط بين المدرب المغربي واللاعبين الأردنيين سوى في حدود جهل الصحافي كاتب المقال. فأنا كمواطن مغربي، لا أقبل حماية أحد سوى من الذي يجعل حمايتي ضمن اختصاصاته الدستورية. والفصلان 40 و41 واضحان في هذا الأمر.
ولتوضيح الواضحات، إذا اعتبر الصحافي اللاعبين محميي المدرب فمعنى هذا أن المدرب حامي اللاعبين؟ ومعنى العلاقة بين المدرب واللاعبين علاقة حماية. علاقة خوف. خوف فقدان الحماية.
بالضبط نجح الحسين عموتة في مهمته لأنه لا يتصرف مع اللاعبين على أساس الحماية بمعنى العلاقة العمودية أي الحاكم والمحكوم. لقد ناضل عموتة بشراسة من أجل احترام اللاعبين الأردنيين له كمدرب. لأن العلاقات الحديثة في المجتمع الحديث تقوم على الاحترام المتبادل. وتصرف عموتة بالغ الدقة في الاحترام المتبادل. عندما يتحدث مع الصحافة يزن كلماته بميزان الذهب. مثله مثل وليد الركراكي في هذا الباب. تلك تنشئة اجتماعية حديثة متوازنة قائمة على الغيرية. والغيرة بيست ضد الأنانية الايجابية عند كل واحد فينا. بل الغيرية هي العناية المتبادلة. ولو انتبهنا إلى محمد صلاح عندما أقصي المنتخب المصري، سئل ما الفارق بين مصر وانجلترا من حيث ظروف اللاعب؟ قال الفارق الأساسي ليس في الماديات بل في العقليات.
العقليات المتحكمة والتي تعودت على “الحماية” من فوق هي التي تبخس طاقة اللاعب، وفي المقابل تتملق لمن يوجد في المسؤولية “من فوق”. والحالة عندنا في غالب الأحيان يلتحق بالمسؤولية من فوق الكثير من “أولاد الناس” مربيين على الاحترام المتبادل، ولكن التملق والتحكم بصفتهما عملة رديئة في المجتمع، وككل عملة رديئة في الاقتصاد تطرد العملة الجيدة، يصبح التملق مسيئا لعلاقات الاحترام. فيشعر الكريم المعتز بكرامته أنه مضطر لمسيح الفيستة فيغادر، وإن أرغم على البقاء يكتسحه الشعور بالغبن فيعجز عن العطاء الجيد. لأن الشعور الجيد بالمواطنة والانتماء للوطن الجميل يحفز الأبطال لكن جرَّهُم إلى التصرف بالدونية والخوف من الخطأ في البروطوكول يمنعهم من التركيز على الجودة في اللعب. وهو الفارق في العقليات الحرة القائمة على احترام شخصية اللاعب في أوربا بينما يجد نفسه في بلده مجرد قطعة غيار في ماكينة محمية ومرعوبة خوفا من الخطأ في البروطوكول. الفارق الكبير إذن في العقلية. وعقليتنا لم تتخلص من عبودية الحماية المنتشرة.
ولا شك أن المثل ينطبق على الصحافي الذي اعتبر اللاعبين الاردنيين محميين تحت حماية المدرب. المثل يقول= كل إناء بما فيه يرشح. فالصحافي الذي كتب المثال ينسى طاقته الخلاقة التي تكتب حول قضايا خطيرة مثل النزاعات في المحاكم بين المقاولات العملاقة، ولا يتذكر سوى امتنانه لمول الشكارة في الموقع الالكتروني الذي يربح التحدي مع القراء بمقالاته هو الصحافي. مهمة الصحافي كاتب المقال عظيمة. فهو ضمن “المؤثرين”. ولكن ضعفه أمام “الحماية”، يجعله صغيرا أمام من يحميه.
ولو تعلق الأمر بمدرب عربي غير مغربي للمنتخب المغربي لما سمح نفس الصحافي لنفسه بنعت اللاعبين المغاربة الرائعين أنهم محميي المدرب الأجنبي المفترض. ضميره سيسبق يده التي ترقن الكلمات.
ماذا نستنتج ونحن متيقين أن نفس الصحافي مغربي قح له غيرة على أبناء بلده؟ نستنتج أنه صحافي لا يتوفر على صفة لا بد أن تتوفر في الصحافي. وهي صفة النزاهة في الكتابة. وهي أن يكتب عنهم. مدربين ولاعبين. من بلده ومن بلدان أخرى.
هذا الأمر، هو مخ العقلية التي تفسد العلاقات في المجتمع “الشرقي” الذي ننتمي له. مسيح الفيستة و”المنفعة” والروح الضعيفة ونفسية الجوع. وهو ما تحدث عنه محمد صلاح في ندوته الصحافية وهو يغادر الى ليفربول للعلاج.
من المؤسف أن نعيد إنتاج عقلية “الحماية” وفي الكلمة ذكرى ليست سليمة المعنى. ولمن يتجول في الرباط وحدهما شارعا محمد الخامس وعلال بن عبد الله يجيبان عن ألم ذكرى الحماية.
أما في حدود كرة القدم= ليتساءل الصحافي صاحب “الحماية”، عندما يرى الناس حكيم زياش، أي شعور يتبادر إلى المشاهد وهو يتابع حركات كابتن المنتخب؟ سيجيب الصحافي نفسه أن زياش نموذج عزة النفس. وسيتفق المغاربة أن وليد الركراكي عندما اختار زياش للمهمة استخلص أن ذاك الولد المؤدب يحترم رفاقه ويحترم مدربه والناس أجمعين. لذلك، زياش لن يقبل مصطلح الحماية لا لنفسه ولا لرفاقه ولا لمدربه ولا لكل من يتصرف باسم المغاربة في الرياضة تصرف الاحترام. ومن جملة أفضال ومكارم كرة القدم لفائدة المغاربة عبارة “احترام الخصم”. وهي من جملة الثقافة التي نشرها وليد الركراكي في الرأي العام المغربي. ولعل حسين عموتة لفظ معادلة ذهبية بصدد احترام الخصم، في مقابلة صحافية بعد الانتصار على المنتخب العراقي من طرف المنتخب الأردني. وعموتة نفسه ناضل نضال الأبطال من أجل أن يحترمه اللاعبون وعزم وحزم ومردودية فعالة.
فقط، لن يحسن الصحافي عمله ولن يرض عن نفسه سوى بالتزام الاحترام لغيره كما يحب أن يحترمه الغير. ساعتها “رضا” الوالدين سيتوفر لكل “محسن”.