الأربعاء, يناير 8, 2025

“وباء الانقلابات” الافريقية يربك الغرب الرأسمالي

أحمد الخمسي

وباء الانقلابات” الافريقية

يربــك الغـرب الرأسمــالي

 

عندما تتابع الطبقة السياسية الفرنسية وهي تناقش انقلابات افريقيا، تلاحظ انخفاض مستوى النقاش بالمقارنة مع ما كانت عليه سعة الأفق في التحليل والجرأة النقدية في الموقف والدقة الجيوستراتيجية.

بعد نزول خبر انقلاب الغابون صباح الاثنين 28 غشت، وفي جمع لسفراء فرنسا مع الرئيس ماكرون، يصف هذا الاخير الانقلابات ب”الوباء”. ويتغاضى عن تصريح سفير فرنسا في مالي الذي وصف ردود فعل السلطة الفرنسية كونها غير ملائمة ومتشنجة وصادمة. والسفير جزء من وزارة الخارجية الفرنسية نفسها. لكن هذا الانقسام العملي في التصريحات الفرنسية، يعني أن حد السيف بلغ العظم في جسم المصالح الفرنسية.

فإذا كان تدبير الأزمة من طرف فرنسا لا يقنع حتى موظفي وزارة الخارجية نفسها، فمعنى ذلك أن درجة التردي في السياسة الخارجية الفرنسية قد بلغ حد الخطأ الجسيم مع حالة العود في صناعة القرار الفرنسي. وقد ظهر ذلك جليا في قضية التأشيرات الممنوعة تجاه أوساط مالية مغربية شريكة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين كمثال بسيط.

ويظهر أن هذه الحالة الفرنسية ليست سوى جزء من الارتباك الرأسمالي الغربي تجاه الصعود الصيني المخيف للقيادة السياسية العالمية الغربية للعالم، بلغت حد حدث احتلال الكابيتول في العاصمة الأمريكية (6/1/2020) من طرف أنصار الرئيس المنتهية ولايته ساعتها.

إن إفلات يورانيوم النيجر من قبضة الاتحاد الأوربي، وبعده البترول الغابوني، أقل ما يقال عنه أنه زعزع الاستقرار في العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية الافريقية الأوربية. وأن يذكر خبيرٌ فرنسيٌ من صنف باسكال بونيفاص، اسم المغرب، ضمن البلدان التي تنافس فرنسا في افريقيا، رفقة الصين وتركيا والبرازيل وماليزيا، لا يملك المرء إلا أن يأسف وهو يستمع ذات يوم بداية 2023، نقد مرافقة مدير شركة الطيران للملك في سفرياته الافريقية مدة اعتبرها طويلة (برنامج المغرب في أسبوع).

إننا من المغاربة الذين يدعون إلى نظام حيث الملك يسود ولا يحكم، لكنني ولأنني لم أكن يوما مصابا ب”مرض اليسارية الطفولي”، أؤكد أن السياسة الخارجية جزء من السيادة وليست من السياسة، لذلك أرى الكأس من نصفه حيث يمتلئ أولا، فيجب أن يكون لرئيس الدولة كاريزما السيادة، وهو ما بدأ المغرب يسجل فيه نقطا دوليا نوعية، فالذي نريد له ألا يحكم، حتى لا تختبئ مشاريع الطبقة الانتهازية وراءه، نريده أن يسود بقوة في السياسة الخارجية التي تعبر عن السيادة الوطنية. وفي افريقيا، تتجه السياسة الخارجية المغربية حيث يجب. في زاوية أخرى من السيادة، تهم فلسطين، ليس من مؤشر أقوى على حفاظ المغرب على خارطة الطريق من عمق استراتيجي، أن ترى رسومات الاولتراس في الأحياء حيث العلم الفلسطيني لا يغيب، وهذا العمق الشعبي هو ما يهم، أما تجفيف المياه الباطنية بسبب زراعة لافوكا فللظالم يوم يؤدي فيه الحساب بالجملة. وتلك تبعات الارتباط بالسياسة الفرنسية التي فقدت الحد الأدنى من المياه الباطنية في 70 بالمائة من التراب الوطني الفرنسي.

ولدينا في التحولات الجيوستراتيجية العالمية وتكيف الطبقة السياسية العربية مع تعدد الأقطاب، حججا دامغة على استمرارية الذكاء المطلوب، وليست الخبرة المغربية غائبة عن رسم منحنى التحول.

طبعا، ما زال سقوط التوازن بعد انتهاء الحرب الباردة مؤثرا على السياسات الداخلية في المنطقة العربية، وفي هذا الأمر، مسؤوليات المعارضات المحلية لها قسطها الوافر في ما آلت إليه الأوضاع. فالحقوق لا تعطى بل تؤخذ. والمسؤوليات تعكس التردي الذاتي للمعارضات التي فقدت البوصلة الاستراتيجية في كثير من القضايا الداخلية والذاتية. بالأحرى أن يحصل الوضوح في القضايا الاستراتيجية الجهوية والعالمية.

ففي الحالة التي تمر منها افريقيا، فالمطلوب من الطبقة السياسية الغربية أن تصطف موقفا منسجما مع مصالح المغرب العليا، لأن مشروع الغاز المشترك مع نيجيريا، معني بما يجري، وهو مصلحة مغربية عليا، اتخذ هذه الصفة بالضبط في أحداث الصيف، منذ 26 يوليوز إلى اليوم. هذه الدعوة ليست ردا عاطفيا، بل اختبار لعمق وحدة المغاربة في المنعطفات المفصلية، على عكس الانقسام الفرنسي.

قد يقول قائل، تصريح سفير فرنسا في مالي، ليس سوى درجة احترام حرية التعبير في بلد ديمقراطي عريق، أقول نعم، لكن الفرق كبير بين المصلحة ذاتها وبين كيفية تدبير المصلحة. نحن الآن بصدد الحديث عن المصلحة ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist