الأربعاء, يناير 8, 2025

هل تجمعُ ورقةٌ رصيدًا لم يوفرهُ التحضير؟

أحمد الخمسي

هل تجمعُ ورقةٌ رصيدًا لم يوفرهُ التحضير؟

من الناحية البروتوكولية، يمسك المدرس ورقة الدرس بيده، تطبيقا للمساطر المعمول بها، ولكن الجماعة التي تستفيد من الدرس لا تتمكن من الاستفادة لمجرد ورقة ما موجودة، بل لأن التحضير للدرس تمّ في ظروف ذهن صاح وتركيز على الأهداف المحددة بدقّة.

فإذا لم يتم التحضير للدرس بجودة عالية فالأوراق تصبح شكلية ولا دور لها في إنجاح الدرس. والمؤتمر حصة سياسية. إما أن تؤدي فهم الدرس السياسي بنجاح أو يفشل الدرس ولا يفهم الناس لم أُلقِيَ عليهم أصلا. فلا تعدو الحصة كلها أن تكون شكلية. فمهمة التحضير خلال سنة ولم يسعفها الحظ أن تنجز، سيصبح على المؤتمر نفسه لحظة تحضير مُرَكّز يدوم تنفيذ مواده طيلة ثلاث سنوات.

من قبل كان لأصدقاء رأي بصدد أوراق التيارات كونها ليست هي الأساس في صلب العمل الحزبي. لأن تجاربهم مع المتحمسين للأوراق بيّنت لهم من قبل أن بناء الحزب والمساهمة في بناء الحزب ليست هي الأوراق فقط.

لم أكن من قبل غافلا على هذا الاحتراز. ولكن لصناعة الأوراق لحظتها الحاسمة في بلورة نقطة الارتكاز بصدد المؤتمر والإجابة عن أية مهمة للمؤتمر الفلاني في الزمان والمكان. شرط أن تكون المشاركة في صياغة الأوراق عضوية ومسبوقة بروح جماعية ومتمحورة حول أهداف معيارية للحزب وليس أهداف شخصية. نعم، كانت عبرت الأمينة العامة خلال جلسات التحضير عن أفكار جديدة جيّدة، لكن التحضير سار بروح مهزوزة ما بين نفَس ونفَس ثان.

من قبل، كانت الأغلبية المفككة السابقة تتربص بتصريحات المنتسبين لأرضيات “الأقلية”. كان تفكك الأغلبية السابقة يكمن في “التجميع” حول “القادة” و”الزعماء”، من ذهبوا ومن بقوا. وكان بناة الحزب في الفروع في نظر الزعماء مجرد حطب يشعلونه وقتما أرادوا ليستدفئوا بتبعيته لأحدهم.

ولنتركهم في “غفلتهم التجميعية”، عندما نسأل عن ما هو دور التيارات؟ كان جوابنا= حديقة خلفية لاستراحة المحاربين حتى يجدوا المكان المناسب لتفريغ الغضب أو لتصريف قناعاتهم بالحسنى.

وواقع فعلنا التياري السابق كان بناء وحدة الحزب على قاعدة تعاقدية واضحة ومسؤولة. تنبني على علاقات أفقية مواطنة ومساواتية، تشتغل على التأنيث والتشبيب، بينما كانوا يجمعون “حشدهم الشعبي” على أسس عمودية تبعية تجتمع لما يجتمعون وتقاطع بعضها البعض حتى في العلاقات الانسانية لما يتخاصم “القادة”. كان زادُ الفعل التياري النقاشَ حول الأفكار المؤطرة للسياسة الحزبية كي لا نكرس النميمة أسلوبا رئيسيا للتعبئة التنظيمية.

وفعلا، بأكثر من معنى بيداغوجي، دبّرنا الانقسام التكتيكي إلى تيارات بإيقاع الهزات الخفيفة في منطقة زلازل. بينما سارت الأغلبية المفككة السابقة بإيقاع “الوحدة” السطحية لتفاجأ بانفجار بركان أو صدمة زلزال مدمر. هذا القانون الجيولوجي عمليا هو الذي أصاب الحزب بالدمار عندما انفجرت الأغلبية المفككة ولم تنفعها لا أرضية مشتركة ولا قادة محنكين. بينما التيارات التي تعودت على الاختلاف الشفاف والتعاقد المتجدد والهزات الخفيفة هي التي رصَّتْ صفوفها حول الحزب، في اللحظة العسيرة، لكي لا يطير أشلاء في السماء.

وهذه المرة، خلال التحضير طيلة الشهور بل السنة التي مضت، بقِيَ مِنْ بَقَايَا الأغلبية المفككة عناصر تفجير، أفرزت انقسام الحزب إلى “تيارات” عملية منعزلة، بعضها صابر، وبعضها صامد. ولو كانت منهجية التحضير أفضل وأقل خوفا وطمعا، لبقي الكل متعاضداً، خصوصا والحزب ما زال يضمد جراح الانشقاق.

وداخل بقايا الأغلبية المفككة، عد تدبّر في محصلة التحضير المجمّد حينا والمهرَّب حينا آخر، رجع البعض خطوة حكمة إلى الوراء لضم البعض. ولو تراجعوا عن خوفهم وطمعهم من بداية التحضير لكانت وحدة الحزب أمتن عضُدًا وأوسع عددًا. لكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم. لو كانوا يثقون في أنفسهم لما أصابهم الهلع بداية التحضير. ولو كان لهم نفـَس رياضي ورئة تستقبل أوكسجين الاختلاف في الرأي بكمية أكبر، لوجدوا أنفسهم في آخر الحساب في مواقع قلوب المختلفين معهم عن جدارة بلا تخوف ولا تشكك. وبالكيفية التي اتبعوها سيجدون أنفسهم في المواقع القيادية، مضاف إليها حساباتهم النفعية، فمن  “فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها…” إلى آخر الحديث …ولكن التحضير الذي اشتغل بها لم يرمم الانكسارات التي تركها الانشقاق…ولم يقوِّ الثقة في القلوب…

نعم، ها هنا نسجل نقط الخلاف، ولكننا لا نتوقف عندها، لأن أهداف المغاربة من السياسة هي التي تغذي نظرتنا لعبور الظرفيات والسياقات والمراحل. ولأن الإشتراكي الموحد الذي يجمعنا، يجمعنا بهم، وهم لا يدرون أننا نثق في صدقهم، ولا نتردد في الصدع بوصف خبرتهم التنظيمية المتعترة. يسرعون نحو المركز وفروعهم بلا مقرات.

لقد كان الانشقاق مدمرا، كونه سحب معه ربع الأعضاء، ومعه جمد الربع الثاني. والنصف الذي بقي، ساءت أحوال التنظيم فيه، لأن الهول في رؤوسهم هول المواقع القيادية وليس إعادة البناء.

من حسن الحظ، أن الأمينة العامة لم تركب رأسها، بل وقدّرت هول التمثيل البرلماني الذي يرهق ما لديها من الطاقة الجبارة التي تتوفر عليها. ومن حولها، طاقة موازية من التبعية من نوع “المديح” الذي تغنى به الشيخ إمام “سهل ومريح يخدع.. لكن بيضر والكلمة دين من غير ايدين بس الوفا عالحر”.

بقي أن ينتبه الحزب للصيغة التي اتبعها كمؤسسة- طيلة عشرين سنة – منغلقة، كما لو أن انتخاب الغرف المهنية لا تهمه، وانتخاب اللجن الثنائية لا تهمه، والتدقيق في انتخابات الجماعات الترابية لا تهمه، والانتخابات البرلمانية لا تهمه سوى بالصيغة الرمزية التي يحدد النظام سقفها في تمثيلية الأمناء العامين للأحزاب “الصغيرة”. إذ بقي قانون الحزب الأساسي يمر مرور الكرام على ذكر الانتخابات في حدود مادة واحدة يتيمة مكونة من 62 كلمة، ثلاثة أسطر لا غير.

بينما تتزاحم الفصول والأبواب والكلمات حول التدقيق في الأجهزة الداخلية للحزب، كما لو كان الحزب مستودع للألقاب والنياشين يضعها على صدور أعضائه الذين لا يعرف جيرانهم من يكونون ولا تعرف السلطة في محل سكناهم هل هم “مؤثرون” ولا يعرفهم المنتخبون ولا رؤساء المصالح الخارجية ولا النخب…أفضل ما يمكنهم الإجابة عن هويتهم الحزبية التي لم يرفعوا من شأنها كونهم ينتمون لحزب محمد بنسعيد ونبيلة منيب. على الحزب أن يراجع القانون الأساسي ليستحق صفة حزب يشتغل في المؤسسات.

ولأن المغاربة مضطرون لمواصلة الصبر والعمل، فلن نكون “ضد” ما تبقى من المجريات الإعدادية لعقد المؤتمر، لكننا في واقع الحال، لسنا “مع” خلاصات التحضير. التحضير الذي يكاد ينتهي ولا يملك أرقام ولا اعتماد على الذات في التمويل ولا زهد في المواقع لفائدة أطر جدد ولا ثقة في النفس القدوة من خارج المواقع القيادية لا يمكن الاطمئنان إلى كونه منبنٍ على معايير المشروع المجتمعي الموهوم الذي ندعي التأسيس له. خصوصا إذا كان الهاجس بناء موجز السيرة على الحياة الداخلية للحزب بدل القدرة على الإشعاع في المجتمع كأشخاص. نخاف أن يسائلنا الناس غدا= من هذه المواطنة أو هذا المواطن الذي اخترتموها/ه أمينا عاما للحزب. والحال أن نبيلة منيب كانت استثنائية في هذا الأمر. لذلك، وصفناها ذات يوم بالاستثناء، وسوف ياتيك بالأخبار من لم تزود.

إذا كان التحضير بالكيفية التي جرى بها قد تسبّب في الشقيقة لأكثر الناس هدوءاً وتأدُّباً، فلا يعتقدن البعض أنه سيجد نفسه فيما سعى من أجله لنفسه دون أخذ حصته من الشقيقة مستقبلا. سيأتي اليوم الذي يقرأ صيغة = خذ كتابك بيدك اليوم عليك حسبا. وعند الفورة يبان الحساب.

إذا رأى البعض، من خلال النميمة التي سيمارسها أن في هذا المقال كلام عام، فالنقط على الحروف جاهزة. والوقت أمامنا جميعا وليس وراءنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist