تفصلنا عن سنة 2030 سبع سنوات. مرة أخرى تفيدنا ثلاثية التقوقع والتموقع والتوقع ونحن نمسك بالبوصلة لتحديد نقطة ارتكاز مونديال 2030،
فمن المذهل أن تقرر من الآن كل من السعودية ومصر واليونان عدم تأهلها لاحتضان مونديال كرة القدم لسنة 2030؟
موقف السعودية بالإحجام عن احتمال احتضان مهرجان كروي ترفيهي عالمي، يعني أن التحولات الجارية في السعودية لن تصل بها نحو حالة إيطاليا حيث دولة الفاتكان الدينية محصورة في روما. في المقابل، تخبرنا السعودية من الآن أن مكة المكرمة ستبقى مركز النظام العام في المملكة. هذا الأمر سينعكس على النظام السياسي في المغرب، ومهما انفتح المغاربة على النموذج الغربي في نمط العيش والتفكير، لن يسعد المغاربة بنظام ديمقراطي مثل الأمبراطورية اليابانية. وفي مصر حيث المؤسسة العسكرية هي كل شيء منذ سنة 1952 الى اليوم، لا شيء يبدو في الأفق منذرا ب”التقدم” نحو ليبرالية العهد الملكي خلال النصف الأول من القرن 20. أما اليونان فتؤكد الحظ التعس لحوض المتوسط بصدد الاندماج في نمط الغرب الانكلوسكسوني. بحيث لا يجمعها بالسويد السعيدة سوى القرار الفرنسي/الألماني (والامريكي) لتوسيع نفوذ الاتحاد الأوربي ومنظمة حلف الشمال الأطلسي. فثقافتها الدينية الأورثوذكسي تترك طبقتها السياسية اليونانية مجرد زبدا انتفاعيا على السطح من جزرة الغرب بينما الفساد يعم خلفية اختياراتها مثل بلدان الشرق الأدنى عامة.
لذا، قد يصبح حظ الترشح المشترك بين المغرب واسبانيا والبرتغال أوفر من ترشح ثلاثي الولايات المتحدة الامريكي والميكسيك وكندا، بسبب الارتباط الثقافي بين البلدين (اسبانيا والبرتغال) مع دول أمريكا اللاتينية، مما قد يفيد مثلث المغرب في التصويت. كما يمكن للولايات المتحدة أن تعلن مستقبلا ترك الفرصة لمثلث يرمز لارتباط افريقيا بالغرب من خلال الثلاثي المترشح معا (2+1). والصراع الأكبر مع الصين وروسيا قد يضيف للمغرب نقطا جيوسياسية من خلال فرص شبيهة بالترشح للمونديال.
كيف سيتفاعل المغرب مع هذا الترشح لتحسين البنية المعنوية المناسبة لاحتضان الألعاب سنة 2030؟
هل يوسع مساحة القرار السياسي الاستثنائي الذي أفسح للركراكي اختياراته في مونديال قطر؟ أم سيدمج الاستثناء الركراكي في البنية السلطوية المحلية وينسف الطاقة الشبابية الكروية ليستغلها في النموذج المغلق دون اعتبار للنتائج الكروية، مثل ما فعلت قطر؟
التألق في المونديال كرويا يعني تحسن نوعي لموقع الشباب في واجهة المغرب وفي عمقه على السواء. والعلاقة الحالية للدولة بالشباب علاقة رهاب متبادل. وموازين القوى إذا ما استمرت مبنية على الخوف ما بين الدولة والمجتمع، قد تترك النظام الاقتصادي الاجتماعي الحالي مسيطرا على مجمل الاوضاع، وبذلك قد تحول المجال الكروي الى حظيرة لإنتاج الأثرياء، دون إنتاج الثروة الكروية الفنية الخلاقة. لأن الخلق والابداع متربط بالحرية. أما تهيئة المباريات عن طريق حساب بيع وشراء الماتشات لهندسة خريطة البطولة “المهنية” من فوق خارج الملاعب، فتلك روح الشرق الفاسد وكفى. ومن تمّ، لن يهم الشعب إجراء المونديال هنا أو هناك.
في المقابل، تحرير الكرة من الخوف السياسي، سيفضي بالدولة والمجتمع إلى تطهير الذات من بقايا الشرق المنغلق.
معياران لقياس المستقبل= إطلاق مبادرات القطاع الخاص في الاقتصاد وحرية الأفراد في المجتمع، شرط تقوية خدمات الدولة لاقتلاع بقايا الخوف من السياسة ومن الهشاشة المادية ومن الفساد الاداري، كفيلان باستكمال التجربة اليابانية الامبراطورية في المغرب.
فالدولة في المغرب أكثر تجدرا من الميراث الذي وجد في مصر الخديوي وإثيويبا هايلاسيلاسي وإيران البهلوي.
لقد شبّه أمين الريحاني السلطان اسماعيل بالملك عبد العزيز آل سعود، وهو محق في ذلك، كان عليه أن يشبّه مؤسس السعودية بالسلطان المؤسس الفعلي للعلويين وقد فاقوا من حيث المدة الزمنية أسرة البوربون في كل من فرنسا واسبانيا.
من الناحية التاريخية ليس للدولة المغربية مبرّرٌ بناء علاقتها مع الشعب على الخوف. ومن الناحية الفعلية لم يجعل الشعب يوما الدولة سبب شقائه، بل المتصدرين للمشهد السياسي – باسم الدفاع عن الدولة زورا- هم الذين كانوا سبب تعكير صفو الوعي السياسي لدى الدولة والمجتمع معا.
ومحاسبة استمرار كل أشكال التضليل والمغالطة تقع على عاتق الطبقة السياسية في الحكم والمعارضة معا. فإذا كانت دمقرطة الدولة مطلبا واضحا، فمطلب دمقرطة المجتمع هو ما تتنكر المعارضة للقيام به من خلال دورها المخاتل.
ها نحن نبدي رأيا بصدد شلل التقوقع وحركية التموقع والقدرة على التوقع، عبر قضية المونديال، في الزمن المقبل، وعبر تنكر النظام السياسي والمعارضة معا لأدوارهما، من أجل استثمار هذه الفرصة التي تتاح للتصالح مع الشبيبة الكروية التي تبدي غضبها غير المسيّس من خلال الأولتراس وما شابههم.