الثلاثاء, يناير 7, 2025

في حضرة الأنيق

أحمد الخمسي

كانت الجلسة جميلة، كنت أرى كراسي، أصحابها، لم أتعرف عليهم إلا وقتا “أخيرا” من تجربتي الطويلة أكثر من اللازم.

كان كرسي أحمد الغائب في عذر الذكرى الأولى لوفاة لوالدته. أعرف معدنه الصافي الذي يجمع بين بساطة موقفه الذي ليس سوى تجسيدا رمزيا لمساندة الفقراء، وبين طيبوبة خُلُقه حد التواضع. صنف من المغاربة الجدد الذين لا تغترهم مهنهم ودبلوماتهم. بل الدور الذي ينجزونه داخل المجتمع وحده الأهم. غيابه في المناسبة “خلا بلاصتو” . إنه طاقة نووية سلمية صامتة. حبه لبلاده الجميلة جعله يعتذر لأساتذته الفرنسيين وقد تمنوا بقاءه هناك. لكن المغرب أجمل وأحوج لخدماته.

الشريف الأمين، هو الآخر فقد والدته التي كان تأثيرها على شخصيته ملموسا بمرجعيتها التي يرددها كثيرا قيد حياتها. لم يؤثر عليه الطرد من عمله، عندما كان كاتبا نقابيا في المعمل. لأن مساندة المحامين التقدميين له جعله يلمس أهمية التوازن بين النضال والدفاع عن حقوق الانسان. أحب المغرب أكثر، وتعززت مشاركته في الحياة السياسية، فقد عاش كعامل نقابي، لفائدة الطبقة العاملة، التحق قطاعه بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل. وأمثاله هم من يلقحون الحياة السياسية ويعززون فخر الانتماء للمغرب الجميل. القوانين مكتوبة، لكن أمثال الشريف الأمين هم من اشتغلوا على أرض الواقع لتفعيلها وقياس البنود على قدر مطابقتها لحاجيات المعيش في المعمل والاسرة ومتطلبات التوازن الاجتماعي. كان ذلك في عهد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وما زال يحضر اجتماعات المقر والأنشطة خارج المقر، منذ الثمانيات إلى اليوم وقد مر ربع قرن من الألفية الثالثة الحالية.

حضور عزيز كان أبهجني بابتسامته التي لم تنقطع رغم مرور الزمن. في الشارع قرب باب المقر المؤقت، قال لي عبد الله، عزيز أنا لم أتشرف من قبل بمعرفته، لكن كلام عبد الاله عنه أقنعني بجدية وضرورة الاتصال به ومخاطبته رغم ما قد يشعر به من حرج لأنه بدوره لا يعرفني.

وفي وقفة أخرى بالباب، رأيت عبد اللطيف الجميل، يظهر أنه مجهداً بحمل أشياء أحضرها، لم أتبين طبيعتها سوى بعد ما شرح لي مقتضيات التكريم التي نظمه مكتب الفرع احتفاء بسعيد الودود. لم يستسغ غياب ما يفيد المناسبة. من جيبه أدى ثمن الحلويات والماء.

جاء اقتراح التكريم في التوقيت المناسب لأن سعيد فقد شريكة حياته المحامية الريفية المحترمة، وبقي رفقة صفوان ويسرى، وحيدا. فارتأى رفاقه أن يشعروه أنه ليس وحيدا.

بحكمته، ترأس حفيظ الاجتماع، وقبل الانطلاق دخلت نعيمة ورفقتها سلوى التي حملت باقة ورد قدمت للمحتفى به. ولم يغب ممثلا الحزب الاشتراكي الموحد في الجماعة الترابية. وبالتأكيد تصل أصداء بلدية تطوان إلى زعيم التجمع الوطني للأحرار ورئيس مجلس النواب، الصديق رشيد الطالبي العلمي، فهو يعرف حق المعرفة طبيعة ومستوى أعضاء الاشتراكي الموحد المنتخبين في البلدية التي يترأسها حزبه. وتصله أصداء إلمام عضوي الحزب بالجماعة الترابية، من حيث الاشتغال والأخلاق العالية وروح المواطنة الفعالة. ولا نعتقد أن حزبا يقدم أطرا كفأة مثل أنس وجويرية، لا يستحق انتماءه للمغرب. ليس فقط لغة الخشب، ولا الرمزية التاريخية ولا فقط المزايدة، بل الارتباط العضوي بهموم الناس، والخبرة القانونية، والاقتراحات الفعالة في مختلف نقط جدول أعمال الدورات.

نعم، نرفع شعار “القلة والعلة” بالمعنى الإيجابي، ولا يمكن لعثرات الممارسة، أن تطفئ شمعة حزب، أوقفني ذات يوم في ساحة مولاي المهدي بتطوان، الرجل العالم الراحل السي أحمد الادريسي، وأثنى على رمز المنظمة ساعتها وأخجلني. ولأنه كان ساعتها رئيس المجلس الإقليمي، ورئيس بلدية المنظري، فقد أخجلني بتواضعه، ولما غاب غيابه الأبدي، تسلمنا من نجله قبل سنتين هدية لتأثيث المقر المؤقت، من نجله الذي ورث عنه العلم ومكارم الأخلاق، السي محمد الادريسي أطال الله عمره.

هؤلاء الذين حضروا تكريم سعيد اليوم، لا نكتفي بذكر الاحترام الذي يحظون به في أوساط المعارضة، بل اسألوا كل طيف المغاربة الذين مروا من تطوان. بمن فيهم أكثر الولاة جودة وخدمة صادقة للدولة، أمثال السي محمد غرابي والسي محمد اليعقوبي. تصلهم أصداء الأخلاق العالية والسلوك القويم المترفع عن الترهات التي تلصق بمن يحترفون السياسة. فالسياسة عندما تنبني على القيم النبيلة والأهداف الوطنية العليا لا تفسد للود قضية الوحدة بين كل المغاربة. في كل نزاع سعينا إلى الصلح ما وسعت أساليب المودة طرق الصلح، واحترمنا المؤسسات ما عشنا أبد الدهر. وما افتقرنا للدعم والمساندة من الطيف الوطني والتقدمي، لأن مساعينا دوما تتبع بوصلة المحجة البيضاء.

ولأننا لا نركب السياسة على ظهور الفقراء، بل نقتسم مع الفئات الشعبية همومها/همومنا، ولا نزايد في الوطنية والمواطنة على أحد، نحترم الآخرين، ليؤدي كل من موقعه الخدمات المفيدة للناس. فالتعب من أجل الآخرين سعادة للذات.

وسعيد كما درجنا على تسميته، من الصنف الذين شابهوا الراحلين بنسعيد آيت يدر وإبراهيم ياسين، من حيث روح المسؤولية والتقليل مما ابتليت به اليسارية من كثرة الكلام وقلة البناء. وهو من الصنف اليساري الأنيق قلبا وقالبا. ولأنه اشتغل إطاراً في الأرصاد الجوية فقد اكتسب حسن التوقع ورسوخ التموقع الذي ينفع الناس، دون تقوقع.

أخاف أن تحاسبني روح الأستاذ عبدالله العمراني، الصحافي الوزاني الذي عرفته الدار البيضاء، وعرفنا عائلته الاستقلالية الراسخة في الوطنية تحت اسم الوارث، ستحاسبني إن لم أعترف بالدفء الذي أشعر به رفقة شباب طلقة البارود في عقبة غزاوة، ادريس العمراني، وعبد الله الطاوسي، بمعية الشاوني الذي يجد في رفقتهم متعة التنكيت الاندلسي. فبهم يمتد اليسار في جبال الريف الغربي، وتتقوى مناعة اليسار، لما فيهم من روح الاستمرار والجدية المرحة. ولأنهم يخافون من التبليغ بهم للقيادة الوطنية في شخص محمد الطايع، فلن يصدروا بيانا لتكذيب ما ذكرت هنا بصدق وأمانة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist