ورغم الإبادة: تنتصر حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية
الأستاذ مصطفى مفتاح
في العديد مما يكتب عدد من المناصرين وأنا منهم، حول غزة فلسطين المناهضين لحرب الإبادة الجارية كل يوم وليلة منذ ما يقرب من سبعة أشهر هناك فاعل إما أننا نضمره أو لا نعطيه كل حقه من الشهادة وهو حركات المقاومة الصامدة في غزة ومجموع فلسطين.
ولكيلا أتطاول على أحد، سأتكلم عن نفسي وكتاباتي في الموضوع، استمرارا على تفاعلي المتألم ومعاناتي مع العواطف التي تتراوح بين التمرد والتماهي مع العذاب هناك وما يتنازعني من عناصر الجدة في المأساة الحالية مقارنة مع ما سبقها منذ ثلاثة أرباع القرن.
لعل الحجم والقسوة الهمجية الإسرائيلية -الأمريكية وما يكملها في الغرب من قمع لحرية التعبير ومن سفور الوجه الاستعماري الوحشي تحت ما كان يبدو “حضارة إنسانية” يفسر جزءا من الهنات التي تعتور مثل هذه الكتابات.
لعلنا أيضا كنا نعول على الشعراء ليسعفونا بالنبرة والصور المواتية والوهم ربما بأننا يمكن أن نصبح أدباء للقضية.
بعد آخر يؤرقنا في تسلسل الأحداث هو كيف نعتبر الفاعل الرئيسي “حماس” و”الجهاد” وأعتذر للفصائل الأخرى التي لا تثير نفس الصعوبة، هل نعتبرهما ونتضامن معهما باعتبارهما حركات مقاومة وطنية؟
وماذا يعني الجواب بالإيجاب أو بالسلب؟
كنا نعالج الموضوع باعتبار هذه الحركة ممتدة من الوهابية وحركة “السيد قطب و البنا” حتى التيارات التكفيرية وبالتالي هناك ما يربطها أمريكيا عبر عرب النفط و “طالباستان”.
لنا بعض المبررات إذا استحضرنا تجربة “حماس” نفسها التي كانت تقدم نشر الإسلام “الحق” وسط البلاد على مقاومة المشروع الصهيوني أو التضييق الذي صاحب حكمها في غزة رغم أننا لا نتوفر دائما على معطيات موثوقة.
وعلى أية حال نحن لا تعجبنا إلا لحي ماركس و انجلز و تشي كيفارا وننفر من الأخرى. ولنا الكثير من الأسباب الوجيهة للنفور والعديد من نقط الخلاف الجوهرية أو البرنامجية مع التيارات التي تمتح من “الإسلام السياسي” ولهم بالمقابل نفس العواطف تجاه المنظمات التي كنا نعتبرها أقرب إلينا وأهمها لم تكن تمتلك مناعة تذكر ضد الهيمنة والتحكم والفساد ولم تقطع مع التقليد بما فيه ذلك الذي يعتمد على الدين.
يلخبطنا نزوعان، تلك القرابة التي تجمعنا مع “قيم فكر الأنوار” والاستلاب الذي نعاني منه تجاه غرب اعتمد على تفوقه العسكري والاقتصادي و “الحضاري” أيضا لاستعباد العالم وتدبير البشر عبر الاسترقاق والنهب والابادة والحروب والإبادة النووية والتحكم في موارد الكوكب و”سموه الأخلاقي” المزعوم حتى عندما نحارب طغيانه.
النزوع الثاني هو “لا وعينا الماركسي الاقتصادي الاجتماعي وما تبقى من “الحتمية “المادية” التاريخية” التي نعتقد أنها تعطي “المشروعية الأخلاقية” للحركات الشقيقة والصديقة الأقرب لحقوق الانسان والمرأة والكوكب الأزرق و”الحداثة” ونعتقد بسمو “ثقافتنا” عن الثقافات التقليدية و “الظلامية” كما نسميها، رغم أننا لم نخض المعركة الفكرية الحضارية بالحزم الضروري للرفع من شأن العقل والحرية والمواطنة….
ومرارا عانى العقل وعانت الحرية والمواطنة من السلط التي تدعي “الحداثة” و “التنوير” والديمقراطية والتعددية والوطنية وحتى الاشتراكية.
المهم أننا في حالة غزة ومنذ نهاية العقد الأول من قرننا نخلط بين قضيتين هل “حماس” و”الجهاد” حركتا مقاومة وطنية أم لا دون أن يعني الجواب أي شيء آخر لربما أن هذا هو الموقف المطلوب بدل الاكتفاء بتمحيص قربهم من الإخوان والبحث عن وشائجهم “التاريخية والبديهية” مع النفط والعدو وملايير الدولارات التي يكنزونها بالعملة الالكترونية وفنادق السبع نجوم .
والحال أن المسألة ومنذ “مقالات يساري فلسطيني” عن “إقامة دولة فلسطينية على أي شبر يحرر من الأرض” ونحن نشهد انتقال أم القضايا من المقاومة إلى القمم العربية و “مبادرة الملك فهد أو عبد الله” ثم غصن الزيتون في الأمم المتحدة وصولا إلى الاعتراف الأحادي لمنظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل.
وينظم الأمريكان خروج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس حتى تتسنى مجزرة صبرا وشاتيلا ويسهل الاستمرار في مسلسل الاغتيالات!
وتدخل القضية متاهات أوسلو وكامب دافيد وشرم الشيخ والعقبة. ونطبع مع “الاعتراف” بإسرائيل.
ولا ننتبه لما جرى حين تحولت منظمة التحرير الفلسطينية مجرد تابع لسلطة تراقب شعبها وتحضُر مؤتمرات بالكوفية.
نستاء طبعا حين نرى التهميش الذي يطال مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ولا ناسف لحرمان المنظمات التي لا نحب مثل “حماس” من التمثيل في مؤسسة خلقت لجمع الشعب الفلسطيني.
لقد كانت فلسطين تقترب بخطو واثق ثابت من الخروج النهائي من جدول الأعمال ونحن نتعزى بقصائد درويش وأغاني خليفة والميادين ونتلهى. ثم حين تقرر”حماس” وباقي الفصائل إطلاق “طوفان الأقصى” في ظرف خطير على فلسطين وتوقِّف إلى حين “اتفاقيات أبراهام” نفتش في البداية عن خيوط المؤامرة وعناصر الصفقة ثم نحاول أن نثور على ما اقترف الذين اقتحموا مستعمرة صهيونية ومركزا للجيش والتجسس في “الغلاف” في حق المدنيين ونعرج على خطيئة المغامرة بسكان غزة.
نسينا ما قالته سيمون دو بوفوار[1] عن العنف ضد المستعمر الفرنسي ومستوطنيه الذين يغتصبون أراضي وبلاد السكان الأصليين المدنيين في حديثها عن المقاومة الجزائرية.
نستعيد وعينا حين نتابع جنون الإبادة الأمريكي-الإسرائيلي، وتتقاطر التحقيقات من قلب الكيان تشكك فيما قيل إنه ارتكب في حق الأطفال وبطون الحوامل وتكالب الغرب الاستعماري لمواساة ومساندة إسرائيل في حملتها على غزة والضفة بمشاركة العرب الأمريكيين وتتوالى الأسابيع والصمود صامد والمقاومة صامدة.
المهم أن موضوع حركة “حماس” و “الجهاد” كمقاومة وطنية امتحان كبير لأننا نحمل فكرا نقديا يحاول منذ ماركس أن يزيح الغشاوة الأيديولوجية في النظر للوقائع.
فالفرق شاسع بين الإقرار أن “حماس” حركة تحرر وطني وموقفنا منها كحركة سياسية رجعية يشكل برنامجها خطرا على الحريات العامة والنساء ويكرس التقليد البطريركي.
إن الشهداء أبو جهاد وصلاح خلف وأبوعلي مصطفى وأحمد ياسين والرنتيسي ويحيى عياش وصالح الماروري لا يسألون بعضهم حين تجمعهم الشهادة عن خلافاتهم الكبيرة والصغيرة لأن الشهداء يعرفون أن الاختيار الاستراتيجي الأهم هو المقاومة.
وهو الخيار الذي ينتصر الآن ويعزل إسرائيل والولايات المتحدة في خندق الهمجية على رأس قوى الشر ويرجع فلسطين إلى القلب في وجدان العالم.
قد يبدو هذا الانتصار المعنوي قاسيا باهض الثمن لكن ما الفرق بين الإبادة والإبادة؟
وكما قال “ايلان بابي”[2] الجو قاتم قبل الفجر لكن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي إلى انتهاء!
[1] Simone de Beauvoir
[2] Ilan Pappé Historien Israélien antisioniste, titre d’un article republié le 1er février 2024 par la revue Contretemps