الثلاثاء, يناير 7, 2025

مراجعة الفكر اليساري (1)

أحمد الخمسي

سنة 1908 المغربية

ضمن الوقائع العالمية الملموسة

أحمد الخمسي

ظننت أن السي محمد صلحيوي سيكون قد ارتاح من ضغط المؤتمر، “ليعيد النظر” في ما “يعيد إنتاجه” من الثقافة السائدة حول بعض المحطات.

مثل ترديده معلومة “أول مشروع للدستور في المغرب نشره الأخَوَان نمور في مجلة المغرب سنة 1908“.

وجود الأخوين نمور في طنجة وهما من أرض الشام، يقتضي التساؤل؟ ثم البحث. لا أحد ينفي أن مدينة طنجة، بسبب موقعها الاستراتيجي، القريب من البوغاز، ومن جبل طارق البريطاني، …الخ، مثل كل المدن الشبيهة تغري الجواسيس وخبراء السياسة الدولية للتموقع على أراضيها.

ولا يغرب عن البال، أن الأمير عبد القادر، الذي انتهى في منفاه السوري بعد الاستسلام لفرنسا منتصف القرن 19، أصبحت ذريته ضمن المواطنين الفرنسيين، منهم ابنه الذي جاء الى طنجة كمواطن فرنسي، ومنهم حفيده الضابط الفرنسي الذي جاء الى تطوان. قبل نشر أفكار حول دستور قيل أنه دبج لفائدة المغرب من طرف أشخاص سوريين بالتزامن مع الانقلاب العثماني سنة 1908، كان الحديث (غير المنتشر في ثقافتنا الوطنية التاريخية السائدة) يدور عن سبب انتقال الأمير حفيد الأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري، للعيش في تطوان. بينما عمه (ابن الأمير عبد القادر) انتقل الى طنجة. وهو أيضا مواطن فرنسي بالوثائق والأجرة الشهرية الفرنسية. إذا كان الأخوان نمور تجارا شاميين فما الذي ألزمهم الإنابة عن المغاربة بصدد الدستور. وإذا كان انشغالهم بالشأن العام العربي، فلماذا لم يعرف المغاربة عنهما سوى معلومة “دستور 1908″؟

ثم من حق أجيال اليوم أن تتساءل: لماذا أدمج منظرو الحركة الوطنية المغربية هذه المعلومة الغريبة الوحيدة عن هذين الشخصين دون إرفاقها بمعلومات أخرى تضيء موقع مسودة الدستور ضمن خدمات أخرى لفائدة المغاربة. شخصيا لم أصادف يوما لا بالمكتوب ولا بالشفوي ما يجيب عن فضولي المشروع كمغربي.

ولأن فرنسا في كتاباتها حول الفترة الاستعمارية والمغرب، دائما اعتبر كتابها، أن الحدود الشرقية للمغرب – واقعيا- هي نهر ملوية، بينما كان الدعاء للسلطان في المساجد كل جمعة يصل الى إقليم تلمسان وكل المنطقة التي اقام فوق ترابها الأمير عبد القادر إمارته خلال عشر سنوات (1837-1847). ثم ما لبت أن امتد نفوذ حركة الجيلالي الروكي ما بين وجدة وتازة، أي صدفة ضمن المنطقة التي اعترها المستعمر الفرنسي “الحدود الطبيعية” للمغرب، كي تبدأ الفتنة منها ضد السلطة المركزية في فاس، مع مس الشرعية السياسية لسيادة المغرب بادعاء الجيلالي الروكي أنه ابنا للسلطان الحسن الأول. هذا الخبث الاستعماري في السياسة والسيادتين الترابية والنظامية يترك التساؤل حول توقيت “مسودة دستور” 1908 المتزامن مع انقلاب الاتحاد والترقي الماسوني على السلطان عبد الحميد الثاني في تركيا؟

الواقع أن اللعبة الموقوتة في سنة 1908، كانت أكبر بكثير من مجرد الوضع في المغرب وتركيا. كانت القوى الامبريالية تعلم أن حركة سياسية جارية في فارس (اسم ايران سنة 1908) من أجل الدستور الحديث. استمرت “الثورة الدستورية في فارس من 1905 إلى 1909. كانت فارس محكومة من طرف الشاه الأفغاني (الأسرة القاجارية). وفي سنة 1908، تم الإعلان العالمي في الصحافة الدولية الغربية والروسية، عن معلومة النفط الفارسي الذي أصبح سلعة تجارية تلك السنة المعلومة: 1908.

ومن باب “الصدفة” تمّ الإعلان أيضا أن بريطانيا العظمى استبدلت الفحم طاقة دافعة لأسطولها البحري بالطاقة الجديدة البترول في نفس السنة. لذلك، تم تفصيل حدود فارس الشمالية مع أذريبيجان، لأن النفط تم اكتشافه هناك (مباشرة بعد اكتشافه في أمريكا منتصف القرن 19) في منطقة باكو العاصمة.

يقع المغرب في فم البحر الأبيض المتوسط، مثلما تقع فارس في مضيق هرمز واليمن في مضيق باب المندب ومصر وفلسطين (تقريبا) ضفتي قناة السويس، بينما تركيا تتحكم في مضيق البوسفور.

فمسودة دستور الأخوين نمور لم تكن سوى تنويعة لحنية في سمفونية السياسة العالمية الرأسمالية الغربية، للتحكم في تجارة الطاقة الجديدة (النفط).الأصل هو الانقلاب على السلطان في المغرب في نفس توقيت الانقلاب على السلطان في تركيا. فالنفط وهو الطاقة الجديدة يحرك السفن البريطانية عبر البحار يقتضي تنسيق الامبرياليات فيما بينها لحفظ طرق الملاحة من المفاجآت. وإشغال الرأي بمسودة لدستور ما، إن لم نجد المغاربة للقيام بالمهمة، لنا الأخوين نمور للقيام بذلك. تلك كانت مأساة. أما مهزلة اليساريين الذين يرغبون تجديد فكرهم فهم ينجزون تجديد الفكر بأطروحات قديمة. عنون اليكسي دو طوكفيل أحد كتب بما يلي “الثورة الفرنسية والنظام القديم”، ومغزى العنوان، أن ما بقي من الثورة الفرنسية سوى الضجيج “الثقافي” تغطية للحروب الاستعمارية الفرنسية.

ضمن حظ المغرب من الصيغة القديمة للفوضى الخلاقة بعلامة “صنع في الغرب”، كان تحرك الجنوب من مراكش نحو فاس لإنهاء حكم السلطان عبد العزيز، الذي قاطع السلطات الفرنسية سنة 1905، مدة شهرين، بعد زيارة الامبراطور الألماني غيوم الثاني ميناء طنجة في 31 مارس. معلنا مساندة المغرب للحفاظ على استقلاله. ولما كان توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس (1912) كانت الرسالة لألمانيا، ببعدين: البعد الأول أن السلطان الذي أرسل إليك أميرا علويا لاستقبالك في طنجة أزحناه عن العرش، والبعد الثاني أن زيارتك “المشؤومة” للمغرب بتاريخ 31 مارس ها نحن نستبق ذلك اليوم المشؤوم بيوم واحد بعد سبع سنوات. وللسنوات السبع في تاريخ فرنسا شؤم جرى طردها من أمريكا الشمالية ومن الهند من طرف إنجلترا إثر حرب السنوات السبع (1757-1763)، خلال عهد لويس الخامس عشر.

روزا لوكسمبورغ الألمانية التي كتبت تستنكر الصراع المحموم حول المغرب سنة 1912، كانت تعرف خفايا التنافس المحموم الفرنسي الألماني الذي أضاف ساعتها عاملا آخر لانفجار الحرب العالمية الأولى.

والزعيم الاشتراكي الفرنسي الذي اغتاله اليمين الفرنسي قبيل انفجار الحرب العالمية المذكورة جان جوريس، لم يُشعِل حقدَ اليمين الفرنسي ضده لاغتياله سوى لسببين اثنين: السبب الأول أنه وضع أطروحته الجامعية حول الاشتراكية الألمانية. بينما كان الرأي العام الفرنسي يعتبر ألمانيا العدو رقم واحد لفرنسا منذ هزم ألمانيا لفرنسا واعتقال نابليون الثالث وإعلان الإمبراطورية الألمانية الثانية في قلب باريس المحتلة. والسبب الثاني لاغتيال جان جوريس تأليفه كتابا بعنوان “ضد الحرب في المغرب”. بحيث مباشرة بعد صدور الكتاب تم اغتيال جوريس واشتعلت الحرب في نفس السنة. وقد تحققت نبوءة الزعيم الاشتراكي الفرنسي عندما تلقى الجيش الفرنسي الهزيمة النكراء في معركة لهري في 13 نوفمبر 1914 بالاطلس، يعني شهورا بعد صدور كتابه ضد الحرب في المغرب. حيث قتل المغاربة من أصل 43 ضابطا 33 ولم يعش بعد المعركة سوى عشرة ضباط. أما الجنود فقد قتل المغاربة تقريبا 600 من أصل 1200 جنديا فرنسيا.

هكذا، يظهر أن المعلومة النمورية ذات مذاق استعماري من نوع “لعل السم في العسل” الدستوري.

أما الدرس من تناول هذه المراجعة للمعلومة، فهو حاجتنا التجاوب الإيجابي مع ما يردده السي محمد صلحيوي من ضرورة مراجعة فكر الحركة الوطنية، المستند في كثير من ملفاته على ثقافة استعمارية سائدة أو على سيناريوهات تم توليفها لأهداف التضليل الاستعماري.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist