الثلاثاء, يناير 7, 2025

للأطلس المغربي زلزالان: أسود عظام فجروا بركان المونديال  وفاجعة كشفت عصر ما قبل الحجري

أحمد الخمسي

للأطلس المغربي زلزالان:

أسود عظام فجروا بركان المونديال 

وفاجعة كشفت عصر ما قبل الحجري

 

من متابعة الأحداث، طبعا عبر القنوات التلفزية، المغربية والأجنبية، لِمَا أصاب اقليم الحوز، من زلزال فائق العنف، يستخرج المغاربة، درسين اثنين بالتوازي= 

ولكي لا نزيد فيما أحزننا بقوة، حقنة إضافية، نبدأ بالنصف الممتلئ من الكأس= 

حيث نعيش رعشة تضامن غير مسبوقة من طرف المغاربة، طيلة الزمن الاجتماعي والسياسي منذ عقود. ظهر أن صعقة الفرح والاغتباط التي دغدغ بها أسود الأطلس كل المغاربة في الخريف الأخير فجّرت عيونَ الوعي بالانتماء للوطن وما يصطحبه معه من روح التضامن والمسؤولية. ولمّا زلزلت الأرض زلزالها، هب الكل في كل المناطق في كل الأزقة والساحات يجمعون التغذية والأدوية والألبسة والأغطية. حتى أن بعضهم علّق كون حجم ما يجمع يكفي مؤونة كل المغاربة لمدة سنة. والملاحظة هي أن صبيب العطاء الطوعي فاق القدرة على التنظيم. 

في كل الأزمات الكبيرة ينسى هذا الشعب الطيب حساباته الصغيرة، فلم يعد الدخول المدرسي موضوع هموم العائلات، ولربما أوضاع هشاشة الشباب وانتشار البطالة ساعد على توفير جيش من المتطوعين لتنظيم سلاسل تنفذ المهام المتتالية، ومع ذلك كان العطاء أكبر، وتجسد في الواقع مبدأ “النفس قبل النفيس”. وارتفع عدد ساعات العمل اليومي التطوعي في معدل عام للمتطوعين يصل 16 ساعة. انفتحت المستودعات ووضعت الشاحنات رهن الإشارة، بفضل التدفق غير المحدود من الخيرات لدعم القرى المنكوبة في الأطلس الكبير وسهل الحوز. 

***

نأتي الآن إلى الجانب الثاني في المعادلة حيث النصف الفارغ من الكأس. أكتفي بحدود المتابعة عبر الفضائيات التلفزية، كون المعطيات الواردة فيها ما زالت على قدر من الاتزان فهي محسوبة على دول بعينها. مما يمكِّنُ المتتبع من حساب نسبة الحقائق بعد طرح توابل السياسة جانبا. 

من داخل المغرب، طبعا، كل الوقت يعاين المسافر الأبراج والطرق السيارة والمناظر الحديثة المنتمية للعصر فيما بين طنجة والداخلة مع احتساب ضلعين آخرين من طنجة إلى فاس/مكناس، ومنهما إلى مراكش/أكادير. ذاك هو المغرب النافع الذي تركه الاستعمار الفرنسي، مضاف إليه منجزات الوحدة الترابية في العيون والداخلة. ومن لا قدرة لهم على السفر تعفيهم التلفزة التي لا شغل لها سوى الدعاية للمنجزات. ككل تلفزات الدول التي تخاف من الواقع.  

في الخريف الماضي، عندما تمكنت الدولة من إنجاز الحالة الاستثنائية غير المعهودة في كرة القدم ما كان ذلك ليتحقق دون قرار سياسي. والقرار السياسي ما كان ليصدر لولا عاملين= العامل الأول هو مرافقة الشبيبة الكروية لتحول قطاع كرة القدم إلى مؤسسات تسعى لأن تواكب القرار الدولي الرأسمالي بالاستثمار الكروي في القارة الافريقية كجزء من التسابق العالمي على قارة المستقبل. وقد هيأت الدولة منذ زمن، نفسها للحضور الافريقي، وهو العامل الثاني الأسبق، بحيث نظمت الأكاديمية الملكية لقاء علميا خلال سنة 2015 ، وكان المستثمر الفرنسي فانسان بورولي قد حط رحاله في الدار البيضاء سنة من قبل لكن أمره أصابه التعتر بسبب إقدامه على اعتماد الرشوة مع مسؤولين أفارقة. ومعلوم أن فانسان بورولي هو مول الشكارة لليمين الفرنسي. كان الموقف السياسي الحازم وراء منجز المونديال، لأن جبهة شبابية من جيل ما بعد حركة 20 فبراير أفرز الاولتراس بزخم عجزت السياسة الأمنية عن تدبير النهوض في الملاعب، وكان تيفو عبد الكريم لاتحاد طنجة قد فاجأ الدولة. بدأت تبريرات غلق الملاعب بتبرير الاصلاح. مما زج بكرة القدم في التوغل أكثر في التربة السياسية من تضاريس المجتمع الذي يراد له أن يبتعد عن السياسة. تلك الخلفية السياسية وراء منجز المونديال. وظهر أن المجتمع المغربي المشتت في مناطق العالم يختزن الخبرة والإباء والبساطة غير المصطنعة، سواء بصيغة ياسين بونو أو بصيغة حكيم زياش، مما مكّن بروز النصيري بقفزته طولا  وأوناحي بتمريراته عرضا. حقنة عزة النفس لدى هؤلاء الأبطال هي التي تركتهم يمثلون ما يختزنه الشعب المغربي أحسن تمثيل لو توفر في كل مؤسسة مسؤول من طراز وليد الركراكي. وقد شحنوا حقنة نووية هائلة في المغرب المتصالح مع نفسه.  

تلك حدود السياسة المباشرة المتبعة إلى اليوم، فيها خطوات متقدمة بالتأكيد، لكنها اكتفت بالانتباه لما تركته مرحلة 1961-1999، في السياسة، فكان للإنصاف حدود بحيث “للي حرث الجمل دكو” وكانت فاجعة فرد تحت اسم محسن فكري المخجلة لمغرب 2016، تبعها حراكا نموذجيا لرفض الاذلال بروح استثنائية، سلميا وحضاريا. لم يشبها سوى خطأ المسجد. 

جاء الزلزال، ليدفع بالثقوب السوداء في السياسة التنموية بمرحلة 1961-1999 الى الواجهة. ومعلوم أن النقاش الذي دار حول “النموذج التنموي الجديد” لم يضع الجزء المهمل من المغرب في جدول الأعمال، لم ينتبه إلى كون مرحلة 1999-2023، تجر معها أعطاب ما قبلها. والمغاربة يتفهون ثقل ذلك. لكنهم لن يقبلوا قط الاستمرار في نفس النهج على الصعيد الداخلي، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. المبشرون ب”النموذج التنموي الجديد” كان همهم إفهام المغاربة أن السياسة الملفوفة بالدين لم تأت بجديد، ولكن الشعب يدرك جيّدا أن الدولة التي يجب أن تكون فوق الجميع متورطة في السياسة “الليبرالية” وتتحمل مسؤولية خلق الأثرياء دون خلق الثروة. لم يتطرق أصحاب النموذج، بل لم ينتبهوا إلى شركات البناء الاحتكارية لها مناجم عذراء يمكنها الاستثمار فيها. وهو ما انكشف في الزلزال، كون طول وعرض مغرب الجنوب ما زالت القرى تعتمد طريقة القرون الوسطى في البناء بالطين وحده. ذات يوم كانت التلفزة المغربية تذكر مآثر مراكش فذكرت “قصر الحجر” الذي بناه أحد سلاطين الموحدين. ونعرف جميعا أن الكتبية وبعدها صوامع مساجد القرى التي بقيت صامدة وسط ركام الرميم بعد الزلزال، خبرة أندلسية. 

كل مغربي، له ذرة من الكرامة سيستحيي أمام الأجانب عندما يقال عن بلدنا أن انسداد الطرق كان أحد المشاكل المانعة لوصول تجهيزات الانقاذ في الوقت المناسب، وعندما يقال أن مغاربة الأطلس والجنوب ما زالوا يبنون منازلهم بالطين وحده، لا حجارة ولا أسمنت مسلح ولا شيء مما أصبح من باب البداهة في البناء الحديث. 

تلك حاجيات ما قبل الدولة الاجتماعية المنشغلة بتحريك الطرق الرأسمالية الجشعة في الأشغال. لا قوانين ولا استثمار ولا أوراش طرق وتجهيزات في مغرب ما زال غير نافع إلى اليوم. وحدها شركات الانترنت تضع محطات الارسال لامتصاص الارباح وإلهاء الناس بالثرثرة الفارغة والتواصل المتخلف بالشتم والنميمة وخلق المشاكل البينية داخل مسام المجتمع لينشغل المجتمع بنفسه. 

ما قيل عن الأطلس والجنوب يقال عن الجزء القروي في الشمال. وحدها الهجرة الاندلسية منذ خمسة قرون علمت الناس البناء بالحجر. أما مغاربة البادية في الهوى سوا جميعا. لذلك ذكرنا بالتجربة الماليزية – منذ 1981- أكثر من مرة. فهو البلد المسلم السني الملكي. يمتاز عنه المغرب كونه منسجم من حيث اللغة والدين والتاريخ ونظام الدولة المركزي. لكن الدولة التي اختارت الرأسمالية رسميا منذ 1967، أمام العالم لم تستعمل من الرأسمالية سوى خلق الاثرياء دون خلق الثروة. فماليزيا الأفقر والأبعد عن الشركات الغربية الغنية بالمال والخبرة، ماليزيا يزيد رقم إنتاجها الوطني الخام عن 400 مليار دولار، بينما لا يصل إنتاجنا الوطني الخام 150 مليار دولار. طبعا حسابات الأغنياء في سويسرا واللوكسمبورغ… تمتص الثروة الحقيقية وتحولها إلى ثروات أفراد مغاربة وليست ثروة مغربية. 

إننا نحترز من إفراط السلطة والبرجوازية معا من التفاؤل، ففرنسا نفسها، عندما ظنت أنها انتصرت على منافسيها واستفردت بالمغاربة، أخذت صفعة على وجهها بداية الحماية في معركة الهري سنة 1914. وانتهت بصفعة أخيرة في وادي زم حيث أسقط الأبطال البسطاء هيليكوبتر قائد القوات الاستعمارية الفرنسية في وادي زم سنة 1955.

لقد استهانت الدولة بأبطال الاطلس عندما استبدلت اسم شارع كبير في مدينة كبيرة من اسم بطل مغربي مشهور الى اسم أحد عملاء فرنسا في القارة السمراء. وجاء الوقت اليوم لتفتح الدولة الورش الكبير الخاص بمغرب الجبال. فالزمن لا ينسى، ولكن الاستدراك من أجل فعل الخير لا ينتهي زمنه.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist