استدعي الاستاذ عبد الحميد البجوقي لالقاء عرض ثقافي بدولة باناما
وبالمناسبة تحتضن باناما مقر لاتحاد برلمانات امريكا الوسطى والجنوبية، وقد بنى المغرب مقرا لمكتبة مقر البرلمانات بزخرف مغربي راق من حيث النقش والفسيفساء والزليج والرخام والأعمدة الزينة بالارابيسك بحيث يعطي صورة جميلة عن حضارة المغاربة في نقطة استراتيجية من القارة الامريكية
واليكم مقالا للاستاذ البجوقي نشرته الزميلة في صحيفة رأي اليوم في لندن :
الطقس في بانما استوائي، معدل الحرارة يتراوح بين 24 و 29 درجة، لكنه مُحَمَّل برطوبة مفرطة ، وفقط يختلف فيه الشتاء عن بقية فصول السنة بزخات مطرية متقطعة تعود بعدها إشراقة الشمس. كان صباح يوم الجمعة 18 غشت 2023 فرصة للتخلص من روتين اللقاءات والندوات، قررتُ أن أنفرد يومها بزيارة للمدينة العتيقة وبعدها إلى بحيرة مُجاورة مرتبطة بالممر المائي الذي تمتد منه قناة بنما الشهيرة. غادرت الفندق مبكرا في اتجاه المدينة العتيقة، وانطلقت كعادتي في مثل هذه الزيارات بدون برنامج أو خريطة، وارتميتُ في أحضان المدينة وضجيجها، عمارات شاهقة تفوق بعضها 50 طابق وبنايات فاخرة تحتضن مؤسسات تجارية كبرى وعدد هائل من البنوك ، سيارات فاخرة تَعبُر المدينة بجوار أخرى قديمة ومترهلة، توقفتُ في زاوية قريبة من مفترق طرق يؤدي يساره إلى طريق المدينة العتيقة عند بائع متجول للفواكه المحلية يعرضها قطعا صغيرة في كؤوس بلاستيكية، عرفتُ من سحنته ولون بشرته أنه من السكان الأصليين، طلبت كأسا من فاكهة المانغو وسألت البائع الذي انتبه أنني أجنبي عن مصدر الفواكه، وهل هي محلية، كانت وسيلتي لتجاذب أطراف الحديث معه، وأجابني مبتسما وببشاشة تُمَيِّز السكان الأصليين أن فواكهه محلية وطرية، كان غرضي من السؤال التواصل معه واكتشاف الانسان البنامي العادي بعيدا عن بروتوكول الندوات واللقاءات الرسمية، وأظُنُّ أن الرجل انتبه إلى ذلك، لم يراوغ في الجواب وأخبرني بسرعة أن إسمه كريسطوبال وأنه ينحدر من شعب بوغلي Los Buglé، وفورا انتقل يُحَدِّثُني بإعجاب عن بنما وينتقد بشكل لاذع حكومة بلده وسياسة رئيس الدولة والفساد والمحسوبية المنتشرين في دواليب الدولة، ظنَّ البائع في البداية أنني إسباني قبل أن أخبره أنني مغربي، وانفجر حينها يهنئني بحماس بإنجاز المغرب في كأس العالم لكرة القدم بقطر، أخبرني أنه تَعَّرَف على المغرب كأغلب البناميين في مباراة كأس العالم الأخير.
راقني سحر هذه اللعبة ودورها في التعريف بشعوب العالم ودُوَّله، وأن تصل عبرها أصداء المغرب إلى بنما كما وصلت أصداء البرازيل مع بيلي والأرجنتين مع مع الساحر مارادونا إلى المغرب والعالم، سرَّني أن يتعرف بائع المانغو على المغرب عبر كرة القدم، بقدر ما أحزنني أن لا يعرفه بإنجازات في العِلم والأدب والثقافة وغيرها، بين هذا وذاك اكتفيت بكون كرة القدم كغيرها من الرياضات فن وإبداع، وأن أغلب لاعبي الفريق الوطني أبناء الشتات المغربي المنتشر في العالم، وأن المغرب له جيش من السفراء يجوبون العالم ويقدمونه في أجمل الحُلل. هممت بالأداء وأنا أسأل كريسطوبال عن المدينة العتيقة وبحيرة غامبوا، تَطَلَّع إلي وهو يواصل تنظيف وترتيب قطع الفواكه في الكؤوس البلاستيكية ونصحني قائلا:
ـ البحيرة أجمل في الصباح ببهاء الطبيعة وبهجتها، والمدينة العتيقة أجمل في المساء بأجواءها الاحتفالية وضجيجها ومقاهيها العتيقة.
هممتُ بالسؤال عن أجواء البحيرة حين قاطعني:
ـ اطمئن وتوجه الآن إلى البحيرة، طبيعة خلابة وساحرة، وسكان القرية المجاورة هنود فقراء لا يملكون حسابات بنكية، لكنهم أغنياء بأرواح أجدادهم، ولا يطلبون أكثر مما يحتاجون، هم حماة ما تبقى من الطبيعة التي نهشتها القناة.