الثلاثاء, يناير 7, 2025

نافذة سياسية/ الحلقة الثالثة: الشعبوية اليسارية، الديمقراطية والاستراتيجية الاشتراكية

ذ.محمد نجيب زغلول

نافذة سياسية : الشعبوية اليسارية في القرن الواحد والعشرون

الحلقة الثالثة: الشعبوية اليسارية، الديمقراطية والاستراتيجية الاشتراكية

مقدمة
ونحن بصدد قراءة متأنية لأرضية الاشتراكي الموحد والمعنونة ب”أرضية السيادة الشعبية” وهي أرضية للنضال اليساري من اجل الديمقراطية والحفاظ على السيادة الوطنية… ان الكلمات /المفاتيح : السيادة الشعبية، الديمقراطية ، السيادة الوطنية لها دلالاتها السياسية في اطار الصياغة العامة للارضية وخطها السياسي الذي يتبنى “النضال الديمقراطي في افق اشتراكي” و العمل على تحويل “الارادة الشعبية” الى “سيادة شعبية” و كخط سياسي منخرط في النضال العالمي من اجل عولمة بديلة ومنخرط في الحراكات الشعبية لتحويل المطالب الشعبية الى مكتسبات سياسية ….ان هذا الخطاب السياسي الذي يجعل”الشعب” في قلب الصراع ضد الطغمة الحاكمة لترسيخ الديمقراطية لحقة حتى تتحقق السيادة الشعبية هو خطاب تتميز به كل الاحزاب والحركات السياسية اليسارية الشعبوية “كبوديموس” “سيريزا” و”حزب العمالي لكوربين” و”فرنسا الأبية” بزعامة ميلونشون وتتقاطع نسبيا مع اليسار الشعبوي بامريكا اللاتينية مع فوارق طبعا…، ومن هذا المنطلق سنحاول فتح هذه النافذة السياسية لتعرف معا على رؤوس أقلام هذه الظاهرة الإيديولوجية الكونية خلال القرن الواحد والعشرون لسبر اغوارها وتمفصلاتها مقارنة مع ما يمور في ساحتنا السياسية من تقلبات يحكمها جزر سياسي شامل، ونكوص ديمقراطي، وفساد النخب، مع اندلاع بين الفينة والأخرى لحراكات شعبية في كل بقاع الوطن…
**********
رغم وجود الكثير من “الدخان اللفظي” حول الشعبوية حسب تعبير بنجامين أرديتي (2007Arditi )، فالمفهوم ليس مجرد مفهوم متنازع عليه فحسب، بل إن تأثيره على الحياة الاجتماعية والسياسية محل جدل كبير أيضًا. وهذا ما يسميه باباس (2016 Pappas ) بعدم التحديد المعياري، أي مجموعة من الخلافات المعيارية الأساسية حول أهمية الشعبوية للصالح العام. وسنتطرق في هذه الحلقة الى جانبين محددين للشعبوية اليسارية:أي في ما يتعلق بعلاقتها بالديمقراطية وتأثيرها المحتمل على الإستراتيجية الاشتراكية كمجالين أساسيين للمناقشة إذا أردنا التعامل مع الشعبوية كمفهوم وظاهرة متنازع عليه من خلال تقعيد الديمقراطية والإستراتيجية الاشتراكية، نظرا لحدة الخلاف حول الشعبوية، ، فيما يتعلق أولاً بالصالح العام، وثانيًا، فيما يتعلق بماضي اليسار وحاضره ومستقبله.
في الوقت نفسه، ونظرًا لأن كل أطروحة نجد لها في المقابل أطروحة مضادة، فقد تحول الاهتمام أيضًا ما بين التسعينيات واليوم إلى اعتبار الشعبوية كطريق سالك للمضي قدمًا من قبل جزء من اليسار (Errejon and Mouffe 2016; Laclau 2006; Stavrakakis and Katsambekis 2014; Gerbaudo 2017; Kioupkiolis 2016; Thomassen 2016; Prentoulis and Thomassen 2014)، أو على الأقل كتصحيح محتمل للديمقراطية اعتمادًا على السياق وتبايناتها (Kaltwasser 2012; Canovan 1999) بالنظر بالاستجداء المستمر للشعب، والادعاء بتمكين “الانسان العادي” والقدرة على تحفيز الأفراد الغير السياسيين إلى حد كبير على المشاركة السياسية.
ومن منظور ليبرالي نقدي، يرى كالتواسر ((Kaltwasser 2012، اعتبار الشعبوية نوعًا من التصحيح الديمقراطي، من خلال إعطاء صوت للمجموعات التي لا تشعر بأنها ممثلة من قبل النخب. وإجبارهم على التفاعل مع الأجندة السياسية. كما أنها تشجع على المزيد من الشمولية في العملية السياسية . وفي دراسة أخرى، بحث كالتواسر ((Kaltwasser 2014، في شرعية الأسئلة التي تثيرها القوى الشعبوية، وافترض أن المظاهر الحالية للشعبوية تقدم استجابات محددة ومشروعة لمعضلتين ليس لهما حل واضح ، كما حددهما روبرت دال (1989 Dahl )،.: “حدود اشكالية ” الحل الديمقراطي (كيفية تعريف الشعب؟) وحدود الحكم الذاتي (كيفية التحكم في المتحكمين؟). علاوة على ذلك، فإن الشعبوية اليسارية تختلف من حيث آثارها على الديمقراطية عن الشعبوية الإقصائية لليمين المتطرف.
وحسب المقاربة الاولية للمنهج الغرامشي الجديد (neo-Gramscian approach) ، والذي يمكن اعتباره الطرح الأكثر تفصيلاً للشعبوية، والذي يعتبر الشعبوية اليسارية كخطاب يمكن أن يولد تغييرًا تقدميًا. كما تمثل لاكلاو (1977 Laclau ) الشعبوية باعتبارها أحد أبعاد المخيال الديمقراطي الشعبي وجادل بأن طبيعتها الطبقية تختلف وفقا للحمولات الخطابية المتناقضة للمفهوم. وقام لاحقًا بتنقيح هذا المنظور من خلال تحديد عدد من الإمكانات التي سمحت بفهم الشعبوية كبديل جذري يعادل السياسة (Laclau 2005) واعتبار “الشعب” كقوة سياسية ( (Laclau 2006 وانطلاقا من طروحات Mouffe ، والتي تحدد إطارًا نظريًا جديدًا لتحليل الديمقراطية المعاصرة، التي تنتقد “الحتمية الاقتصادية” الموجودة في معظم الطروحات الأرثوذكسية لماركس ولكنها تظل متسقة مع “التكيف اليساري” بشكل عام مع الشعبوية والسياسة الراديكالية على نطاق أوسع (Laclau and Mouffe 1985). ومن المتوقع أن يؤدي ذلك “التكيف اليساري” إلى إعادة تنشيط اليسار الراديكالي في نضاله ضد الهيمنة وفي نفس الوقت تنشيط العملية السياسية الديمقراطية. يؤكد هاذين الباحثين على الراديكالية والزخم المحتمل للتشكيلات “الحديثة” التي تتجاوز الفهم الطبقي الصارم للمجتمع. وتتراوح الأمثلة المرتبطة ب للتشكيلات ” الحديثة ” والتي افرزت خطابات البيئية والنسوية والعمال المتضررين وباقي الأقليات ، مما يستلزم بالنسبة اليهما التنسيق بين النضالات الديمقراطية المختلفة كخطوة مهمة نحو إنشاء هيمنة/سلطة مضادة.
ولبناء “إرادة شعبية” ،كما حددها غرامشي كنقطة مرجعية مشتركة ، والتي يمكن من خلالها تشكيل ذوات سياسية. اقترح هذين الباحثين لاكلاو وموف دمج أفكار غرامشي حول الهيمنة وحرب المواقع، وعوض التمسك بفكرة الأولوية السياسية للطبقة العاملة التي التزم بها غرامشي، مدافعين عن ضرورة بناء اليسار ل “كتلة تاريخية” وفق مصطلحات غرامشي، تضم طبقات متنوعة وتخوض نضالات لا يمكن اختزالها في الصراع الطبقي بمفهومه الكلاسيكي او مايقابلها في ارضية السيادة الشعبية للحزب الاشتراكي الموحد ك”جبهة شعبية للنضال الواسع”.
ومن هذا المنظور بالذات، تعد “السيادة الشعبية” العنصر الأساسي للديمقراطية، ليس فقط من حيث أسسها النظرية ولكن أيضًا من الناحية العملية لعملها وتطورها. ووفقا لملاحظات مولر (2011 Müller)، فإن الديمقراطيات الليبرالية في أوروبا الغربية هي “ديمقراطيات لا تثق في السيادة الشعبية”، وهو اتجاه لوحظ بالفعل في العقود الأخيرة من القرن العشرين وتزايدت حدته في الآونة الأخيرة بالتوازي مع تزايد نفوذ وسلطة واستقلال النخب التكنوقراطية ، وغالبًا ما تكون عابرة للحدود، و معادية للأحزاب السياسية التي تمثل الجماهير الشعبية. وهكذا أصبحت الديمقراطية والحاجة إلى تنشيطها نقطة محورية لليسار الجديد اليوم على المستويين البرنامجي والتواصلي؛ وأصبحت مفاهيم الأزمة الديمقراطية والتمثيلية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية جزءًا لا يتجزأ من النقاش السياسي ، كما كان الحال في العقود السابقة الأخرى.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الخطاب الشعبوي اليساري من جهة والديمقراطية والاستراتيجية الاشتراكية من جهة أخرى، أولاً يمكن اعتبار ، الشعبوية اليسارية كأسلوب خطابي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الديمقراطية اعتمادًا على كيفية تمثلنا للديمقراطية، وعلى أي مبدأ من المبادئ العديدة التي تقوم عليها التعريفات التي تتجاوز الحد الأدنى للديمقراطية سنحدد الأولويات – التمثيلية ،المشاركة ،التداول ، التنافس الديمقراطي ، السيادة الشعبية و أو الوطنية ، الأغلبية/الشعب ، حقوق الأقليات أو اللامركزية. وكما هو معترف به على نطاق واسع، فإن دعم الديمقراطية كحكم من طرف الشعب يثير بالضرورة ثلاث قضايا: طبيعة الحكومة، وتكوين وطبيعة الشعب، وطبيعة وشكل العلاقة بين الحكومة والشعب
. (Jessop 1980) ;في سياق المقاربات المتنافسة لهذه القضايا، وبالتالي ف”المبادئ الديمقراطية المتنافسة” تجعل الديمقراطية غير محددة سياسيًا،( 2014 Kaltwasser ) كما ان معضلات الديمقراطية الآنفة الذكر بالإضافة إلى العديد من المعضلات الأخرى (مثل كيف يجب أن يحكم الشعب؟) يتم حلها بشكل أساسي من خلال مدى الأهمية أو القبول الذي ينطوي عليه كل مبدأ ديمقراطي، كما أن الرؤى والتقديرات المختلفة للديمقراطية ليست بحكم تعريفها أكثر أو أقل ديمقراطية، بل هي اجوبة بديلة للأسئلة الأساسية للنظرية الديمقراطية نفسها
ثانيا، يمكن أن يكون للشعبوية تأثير إيجابي أو سلبي على الإستراتيجية الاشتراكية اعتمادا على ما يتوقعه المرء وكيف يتصور المرء الاستراتيجية الاشتراكية. تقليديا، عارضت المناهج البنيوية فكرة إمكانية الجمع بين الشعبوية والاشتراكية بشكل هادف، لأن الماركسية اللينينية تطلبت تحولا ثوريا عميقا على عكس الإصلاحات الاقتصادية التي اتبعها الشعبويون الكلاسيكيون في أمريكا اللاتينية، الذين احتفظوا بالرأسمالية أثناء انخراطهم في سياسات التصنيع مدعومة بالسياسات المعتمدة على الواردات. في الوقت نفسه، وكما اقترح لاكلاو (1977 (Laclau منذ أكثر من أربعين عامًا، في عدد كبير من الحالات التاريخية للسياسة اليسارية، بما في ذلك خلال التجارب الثورية الاشتراكية، حيث تم استخدام استراتيجية خطابية شعبوية، من خلال لغة معارضة ومناشدة المضطهدين وعامة الشعب على نطاق واسع أن “فترات المواجهة الثورية الكبرى ليست تلك التي تظهر فيها الأيديولوجية الطبقية في أقصى نقاءها، بل عندما تنصهر تماما الأيديولوجية الاشتراكية مع الإيديولوجية الشعبية والديمقراطية”….

مراجع

Arditi, B. (2007). Politics on the Edges of Liberalism: Difference, Populism, Revolution, Agitation. (Edinburgh: Edinburgh University Press).
Canovan, M. (1999). ‘Trust the people! Populism and the two faces of democracy’, Political Studies, 47(1): 2–16.
Dahl, R. (1989). Democracy and its Critics. (New Haven CT: Yale University Press).
Errejon, I. and Mouffe, C. (2016). In the Name of the People. (London: Lawrence and Wishart).
Gerbaudo, P. (2017). The Mask and the Flag: Populism, Citizenism and Global Protest. (London: Hurst Publishers).
Jessop, B. (1980). The political indeterminacy of democracy. In A. Hunt, (ed.), Marxism and Democracy. (London: Lawrence and Wishart), pp. 55–80.
KaltwasserC. R. (2012). The ambivalence of populism: Threat and corrective for democracy?. Democratization, 19(2): 184–208.
Kaltwasser, C. R. (2014). ‘The responses of populism to Dahl’s democratic dilemmas’, Political Studies, 62(3): 470–487.
KioupkiolisA. (2016). Podemos: The ambiguous promises of left-wing populism in contemporary Spain. Journal of Political Ideologies, 21(2): 99–120.
Laclau, E. (1977). Politics and Ideology in Marxist Theory: Capitalism, Fascism, Populism. (London: New Left Books).
Laclau, E. (2005). On Populist Reason. (London: Verso).
Laclau, E. (2006). Why constructing a people is the main task of radical politics. Critical Inquiry, 32(4): 646–680.
Laclau, E. and Mouffe, C. (1985). Hegemony and Socialist Strategy. (London: Verso).
Müller, J. W. (2011). Contesting Democracy: Political Ideas in Twentieth-Century Europe. (New Haven and London: Yale University Press).
Panizza, F. (2005). Introduction: populism and the mirror of democracy. In F. Panizza (ed.), Populism and the Mirror of Democracy. (London: Verso), pp. 1–31.
Pappas, T. (2016). Modern populism: Research advances, conceptual and methodological pitfalls, and the minimal definition. Politics: Oxford Research Encyclopedias.
Prentoulis, M. and Thomassen, L. (2014). Autonomy and hegemony in the squares: The 2011 protests in Greece and Spain, in A. Kioupkiolis and G. Katsambekis (eds), Radical Democracy and Collective Movements Today: The Biopolitics of the Multitude versus the Hegemony of the People. (Farnham: Ashgate), pp. 213–234.
Stavrakakis, Y. and Katsambekis, G. (2014). Left-wing populism in the European periphery: The case of SYRIZA’, Journal of Political Ideologies, 19(2): 119–142.
Thomassen, L. (2016). ‘Hegemony, populism and democracy: Laclau and Mouffe today. Revista Española de Ciencia Política, 40(March): 161–176.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist