نافذة سياسية .
الشعبوية اليسارية في القرن الواحد والعشرون
الحلقة الثانية: الشعبوية اليسارية نظرية سياسية ام خطاب سياسي؟
مقدمة
ونحن بصدد قراءة متأنية لأرضية الاشتراكي الموحد والمعنونة ب”أرضية السيادة الشعبية” وهي أرضية “للنضال اليساري من اجل الديمقراطية والحفاظ على السيادة الوطنية.”.. لاحظنا الكلمات /المفاتيح . السيادة الشعبية، الديمقراطية ، السيادة الوطنية… لها دلالاتها السياسية في اطار الصياغة العامة للأرضية وخطها السياسي الذي يتبنى “النضال الديمقراطي في أفق اشتراكي” و العمل على تحويل “الإرادة الشعبية” كإرادة جماعية إلى “سيادة شعبية” وبالانخراط في ” النضال العالمي من اجل عولمة بديلة” و في الحراكات الشعبية “لتحويل المطالب الشعبية إلى مكتسبات سياسية” عبر العمل على خلق “جبهة شعبية للنضال” من اجل تغيير موازين القوى في أفق ملكية برلمانية….
إن هذا الخطاب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد والذي يجعل بمقتضاه “الشعب” في قلب الصراع ضد “الطبقة/النخبة” الحاكمة كتناقض رئيسي من اجل ترسيخ الديمقراطية الحقة حتى تتحقق “السيادة الشعبية”… هو خطاب شعبوي يساري بامتياز (بالمنطوق السياسي الحديث وليس القدحي المبسط) تتميز به كل الاحزاب والحركات السياسية اليسارية الشعبوية “كبوديموس” “سيريزا” و”الحزب العمالي الانجليزي” بزعامة كوربين و”فرنسا الأبية” بزعامة ميلونشون والتي برز نجمها خصوصا بعد الأزمة العالمية لسنة 2008 وخلال وبعد “الربيع العربي” وتتقاطع هذه الحركات/التيارات السياسية نسبيا مع اليسار الشعبوي بامريكا اللاتينية مع فوارق طبعا. ومن هذا المنطلق سنحاول فتح “نافذة سياسية” على شاكلة ” نافذة أوفرتون” لنناقش معا رؤوس أقلام هذه الظاهرة الإيديولوجية الكونية ولسبر اغوارها وتمفصلاتها مقارنة مع ما يمور في ساحتنا السياسية من تقلبات يحكمها جزر سياسي شامل، ونكوص ديمقراطي، وفساد النخب، وتشرذم لليسار مع اندلاع بين الفينة والأخرى لحراكات شعبية في كل بقاع الوطن…
******************************
تُحدث حاليا موجة الشعبوية ثورة في سياسات القرن الواحد والعشرون، إلا اننا لم نستطع بعد ان نضبط جيدا التغيرات التي ستحدثها لاحقا . وإذا كان تداول المصطلح قد اندلع كالنار في الهشيم، الا اننا كمن يبحث عن ابرة في كومة تبن، عن نظرية تحدد هذه الظاهرة/الموجة. وبالرغم من وجود عدة أدلة بديهية تشير الى وجود الظاهرة، الا انها محاطة بهالة من الغموض الايديولوجي والسياسي والدلالي. ويمكن اعتبار مصطلح الشعبوية مصطلحا “مطاطيا”، يتم توظيفه بشكل عشوائي أحيانا. والشعبوية اليسارية، في هذا الصدد، ليست تسمية انتهازية أو عديمة الفائدة لتضليل اليسار الراديكالي عن المسار الاشتراكي الحقيقي أو المسار المناهض للرأسمالية. إلا أن التعريف في حد ذاته لا يحل النقائص أو المخاوف التي تثيرها ممارسات الأحزاب اليسارية الشعبوية. إن وجود انطباع قدحي عن الشعبوية يتجاهل مساهمتها في تطوير مشروع يساري في الظرف الحالي؛ كما أن وجود رؤية مثالية للشعبوية اليسارية دون تقييم بعض تناقضاتها من شأنه أن يتجاهل المخاوف التي أيقظتها الحقائق السياسية القائمة (Rosanvallon 2020).
نظرية سياسية ام خطاب سياسي؟
ويتمثل الباحثون الشعبوية بشكل مختلف سواء من حيث الحالات التي تحددها، أو الخصائص التي تعبر عنها، مما يجعلها احدى المفاهيم الأكثر تجريدا (elusive concepts) التي انشغلت بها أبحاث العلوم السياسية المعاصرة
.(Barr 2009, Taggart 2000).; .ومن الناحية المفاهيمية فهناك من يعتبر ان الشعبوية أيديولوجية مركزة (دقيقة) أو عموما كمجموعة انساق فكرية (Pappas 2014; Kriesi and Pappas 2015; Urbinati 2014; Mudde 2007; Mudde 2004; Hawkins 2010; Stanley 2008; Abts and Rummens 2007; March 2017; March 2007). اوأيديولوجية تضم مجموعة من الأفكار المترابطة حول طبيعة السياسة والمجتمع الا انها ضعيفة كونها تفتقر إلى التعقيد والتاطير والتجانس الذي تتمتع به الأيديولوجيات السياسية المتكاملة
( Freeden, 1996 and 1998)
تؤكد الشعبوية على “المكانة المركزية للشعب”، باعتباره فاعلا سياديا في النضال القيمي من أجل التغيير. وهذا ما أطلق عليه Jagers and Walgrave (2007) “التعريف الدقيق للشعبوية”، كشرط ضروري لوجود الشعبوية وحجر الزاوية لظهور السمات الأخرى للخطاب الشعبوي. وعموما يعتبر الشعبويون الشعب “ككيان متجانس”، وتلك نتيجة طبيعية لطبيعة العلاقة التناقضية بالنسبة اليهم بين الشعب و”الآخر”/(أي النخبة). كما تُستخدم الشعبوية وتهدِف إلى خلق وحدة منبثقة من تعددية تضم تعدد الهويات والمطالب لمختلف فئات المجتمع، وهي عملية تم التقاطها من خلال فكرة (2005) Laclau عن التكافؤ، حيث يتحول نضال واحد إلى العديد من النضالات الأخرى حسب مطالب الفئات المختلفة المكونة ل “للشعب” المتعدد/الواحد.
تُعرَّف الشعبوية اليسارية ايضا كونها مزيج من “الزخم الشعبوي” المتمثل في الرفع من التمثيلية الديمقراطية وتوسيعها (من خلال مناشدة “الشعب” لمناهضة “النخب”) ورفع منسوب المشاركة السياسية و الدفاع عن التقاليد اليسارية كتعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية. ويجمع هذا التعريف المطالبة بالديمقراطية التي تتقاطع احيانا مع الشعبوية اليمينية مع تميز للشعبوية اليسارية بكونها دامجة للاقليات الاثنية والمهاجرين مع التاكيد على قيم المساواة والعدالة الاجتماعية . (Rosanvallon 2020)… يمكن أيضًا تطبيق مفهوم”المنعطف الديمقراطي” (Democrtic turn) لاعلان رفض النيوليبرالية في إطار يتجاوز الإطار الاقتصادي ليأخذ شكل مطالب ديمقراطية من اجل تغيير داخلي للنظام وبمعارضة النخب الاقتصادية والسياسية. وفي هذا السياق يجب الوقوف على مرتكزين اساسين لتوضيحهما: اولا، يجب الوعي بان المشاركة السياسية لا تقل أهمية عن التعارض والتناقض الحاصل بين “الشعب” و”النخب”. ثانيا، إذا كانت الممارسة السياسية تقتضي العمل السياسي من أجل الشعب ومن خلاله أمرًا منطقيًا، فيجب استكمال التمثيلية الديمقراطية بوسائل المشاركة السياسية. لان النضال من اجل العدالة الاجتماعية يعطي معنى أوسع للمساواة متجاوزا الاطار الاقتصادي مادام ان أن العديد من النضالات المتعلقة بقضايا أخرى مثل النوع الاجتماعي أو الهجرة أو البيئة أو حقوق الإنسان أصبحت جزءًا لا يتجزأ من أجندة اليسار.
ويتجلى هذا التعريف في ثلاث خصائص: الافقية، الادماج، والمشاركة. إذا كانت المطالب والمقترحات السياسية تهدف إلى الوصول إلى أغلبية اجتماعية، فإنها تحتاج إلى أن تكون أفقية، أي مؤطرة على نطاق واسع يتجاوز في كثير من الأحيان المواقف الأيديولوجية التقليدية لليسار في تقابلها مع اليمين.كما إن مناشدة “الشعب” يتطلب من الافضل حركية افقية ، والتي قد تدخل في تناقض مع “القوالب” الأيديولوجية المعتادة تقليديا لدى احزاب اليسار. طبعا إذا كانت ” النية” السياسية هي زيادة التمثيلية الديمقراطية كتعبير عن صوت “الشعب”، فإن الشعبوية اليسارية يجب أن تكون دامجة ليس فقط للمجموعات التي لا تشعر بأنها ممثلة (أو تشعر بأنها مقصية)، ولكن أيضًا لضمان تعددية أولئك الذين تمت تمثيلهم، مادام ان الشعبوية اليسارية، تدعو بشكل عام،إلى التعددية والتنوع في المجتمع كتقليد يساري معتاد. وأخيرا، يجب أن تكون الشعبوية اليسارية تشاركية لضمان إشراك الناس في عمليات التداول في قضايا الشأن العام ، والنقاش/البناء التنظيمي للحزب اليساري الذي يتغييى ان يكون صوت “الشعب”، ويساهم في صنع السياسات العمومية. لذا فإن تطوير التنظيم الحزبي ليتحول الى بنيات تشاركية لا زال دينا في ذمة أحزاب اليسار، وطبعا لا يعني ان موجة الشعبوية اليسارية الحالية تحمل حلا سحريا ونهائيا للتغلب على الأشكال التنظيمية العمودية والمركزية التقليدية التي اضعفت اليسار واستنزفت طاقته .
وعلى الطرف المقابل يرى العديد من الباحثين ان الشعبوية لا تعدو ان تكون سوى خطابا سياسيا، أو ما يرتبط به من أسلوب تعبير، أو تواصل سياسي (Laclau 1977; Laclau 2005; Aslanidis 2016; Aslanidis 2015; Moffitt 2015; Moffitt and Tormey 2014; Jagers and Walgrave 2007; Taguieff 1995; Stavrakakis and Katsambekis 2014; Kioupkiolis 2016; Panizza 2005)
يتم استخدام مصطلح “الشعب” من الناحية اللغوية ، بدلاً من المصطلحات الأخرى كالطبقة والأمة وما إلى ذلك بشكل متكرر كنقطة محورية يتمفصل حولها الخطاب الشعبوي اليساري ، الذي يرتكز بنائه على “مركزية الشعب” ككتلة داخلية ايا كان تعريفها. أما بالنسبة ل Arditi 2007))، فإن الخطاب الشعبوي له علاقة ذات شقين مع مصطلح “الشعب”، بحيث يكون الشعب هو الجمهور المُخَاطَب و أيضا “الموضوع” الذي يجب استحضاره، وسنعود لاحقا لنقاش “مفهوم الشعب” من منظور الشعبوية اليسارية.
و يحيل الخطاب الشعبوي ايضا الى تقسيم المجال الاجتماعي إلى كتلتين متناقضتين (“الشعب” مقابل “النخب”)، ويرمي إلى تمثيل المصالح الشعبية من خلال بناء “ذاتية شعبية مهيمنة” ) Laclau 2005)،. وبالتالي يمكن النظر إلى الشعبوية باعتبارها اسلوبا خاصا او خطابا سياسيا يحوم حول مكوناته الخطابية الأساسية ك “المركزية الشعبية”، و”الاخر”، و”الأزمة”، وبالتالي استحضار طريقة معينة للتعبير ، عن أفكار تكمن وراء هذا الأسلوب ولكنها تبدومستقلة عنه.
إن الإشارات إلى الأزمة ليست شرطًا ضروريًا أو كافيًا للخطاب الشعبوي، لكنها تحتل مكانًا في محيط المفهوم، كمرافقة متكررة” للمركزية الشعبية” وتمييز “الآخر” مجتمعين. إن الوجود المشترك للإشارات إلى الأزمة بين الجهات الفاعلة التي تستخدم الخطاب الشعبوي أمر منطقي بقدر ما يمكن إضفاء الشرعية على العداءات الشديدة وخطوط الانقسام في المجتمع والمواقف المناهضة للمؤسسات المطالبة بقلب الوضع الراهن بشكل بنَّاءٍ أكثر من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الوطنية. وفي هذا السياق، فإن “بناء الأزمة” يمكن أن يمنح الخطاب الشعبوي زخمًا قيمًا داخل المجتمع وأيضا على المستوى الانتخابي (2004 Taggart )، لأنه يثير حساسيات اجتماعية متعددة مثل النفور من عدم الاستقرار والتهديد، والاقتناع بأن المخطئين يجب أن يدفعوا الثمن نظرًا لخطورة الأزمة والضرر الذي لحق بالشعب، كما ان الشعور بوجود حالة طوارئ ما يشير إلى الحاجة الفورية إلى تغيير جذري في المسار .ومن هذه الزاوية، فإن الإشارات إلى حالة الأزمة هي عنصر خطابي آخر في الأسلوب الشعبوي اليساري ، إلى جانب المركزية الشعبية ومعاداة النخبوية. باعتبارها أدوات تأطير مجازية، تنطوي الأزمات على شعور بالصدمة المشتركة أو التهديد المشترك الذي يؤدي دور جمع ضحاياه من خلال التركيز على الشعور بالهشاشة لدى الشعب
(2012 Moffitt 2016, Brassett and Clarke).
محاولة لتفكيك “النسق النظري” والخطاب الشعبوي لارضية السيادة الشعبية
لقد حاولنا ان ناخذ مسافة نقدية من ارضية السيادة الشعبية حتى نتمكن من تفكيك منهجي لل “النسق النظري” والخطاب الشعبوي لارضية السيادة الشعبية.وكملاحظة اولى يُثِير المُتَتبِّع السياسي ثلاث كلمات /مفاتيح : 1- السيادة الشعبية ، 2- الديمقراطية و 3- الحفاظ على السيادة الوطنية
ان بناء الخطاب السياسي للارضية يبدو غير متناسق و متماسك ول ليس متجانسا مما يشي بارتباك ايديولوجي واضح من خلال المفاهيم الفضفاضة والغامضة مع تضخم “ايديولوجي” خصوصا في توظيف مفهومي السيادة الشعبية والديمقراطيةاذ يتارجح الخطاب السياسي مابين المنطلقات التي تارة تمتح من “الرصيد الإيجابي للفكر الاشتراكي، والديمقراطية” من اجل “فتح إمكانية العبور إلى الديمقراطية الكاملة او ديمقراطية حقيقية” وذلك عبر “الإنصات إلى صوت الشعب وإلى تقوية وعيه ليجعله ينخرط بشكل واع في معركة التغيير الديمقراطي” وايضا من خلال عمل الحزب على “المساهمة الفعّالة في بناء “جبهة شعبية واسعة “للنضال، قادرة على خلق ميزان قوى جديد” و من اجل تحقيق “السيادة الشعبية” التي يكون فيها “الشعب مصدرا للسيادة والسلطة باللجوء الى الديمقراطية المباشرة عبر الاستفتاءات وبصورة غير مباشرة عبر المؤسسات المنتخبة ” ويعتبر محركها ” الأساسي للتغيير هو ضمان “السيادة الشعبية” و الانخراط في “الحراكات الاجتماعية” و مساندتها من خلال تعبئة و تشكيل “جبهة شعبية للنضال الواسع”….
اما فيما يتعلق بالخط السياسي غالب ما يتكرر”تبني الحزب للديمقراطية بأفق اشتراكي” و ذلك بتبني “الخط النضالي الديمقراطي الشعبي”مرة، و/أو”بنشر القيم الديمقراطية في أفق العبور إلى الديمقراطية” مرة اخرى، وطبعا “بأفق اشتراكي”… . كما يناضل الحزب من خلال خطه السياسي/ برنامج عمله ك”حزب يساري ديمقراطي ذي أفق اشتراكي” للانتصار لقضايا الشعب و الوطن” و “خوض الصراع الطبقي مع استبطان متغيراته” و التقدم باتجاه “العبور إلى مغرب الدمقرطة و الحداثة” أو اعتبار “مبدأ دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع” من اجل “ترجمة الإرادة الشعبية إلى سيادة شعبية” وذلك عبر مناشدة الشعب واللجوء اليه “لتحقيق ديمقراطية كاملة” من “اجل العبور الى الدمقرطة و الحداثة” و “إرساء مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي ، تكثيفا لبرنامج الانتقال إلى الديمقراطية بأفق اشتراكي”…
ومن الطبيعي ان يكون الخطاب السياسي مرتبكا وغامضا كاحد سمات الشعبوية اليسارية التي تتبنى الديمقراطية كشعار/مبدأ وتحلم بافق اشتراكي يتم فيه بناء المجتمع الإشتراكي،-الذي لم يتحقق بعد- والذي “لن يمكن ان يتحقق بدون ديمقراطية ، فالديمقراطية هي التربة الخصبة المساعدة على انغراس الاشتراكية وتطورها” . الا ان المشروع الفكري الذي يروم:الحزب الاشتراكي الموحد تقعيده لازال علقة في طور التحول الى مضغة ولاحقا الى جنين في رحم التحولات المجتمعية التي سيعرفها المغرب مرورا بانتقال العرش من ملك الى ملك مما يتطلب الوضوح اللازم في استشراف الرؤية السياسية وايجاد خط سياسي يجد صداه لدى الشعب وكما يطالب الحزب بجعل الشعب مصدرا للسيادة والسلطة باللجوء الى الديمقراطية المباشرة” من الأعلى يجب ان يطبق هذه الديمقراطية المباشرة من الأسفل عبر مقاربة تشاركية تفعل منطوق “الإنصات إلى صوت الشعب وإلى تقوية وعيه ليجعله ينخرط بشكل واع في معركة التغيير الديمقراطي” وتفاعله مع الخط اليساري الذي سيتبناه… أما الركون الى جوهر”خطاب ماركسي-لينيني” يعود بنا الى حنين الماضي ،بطهرانية مثالية تنبذ الشيوعية، والاممية الاشتراكية رغم ان خط الحزب السياسي “ديمقراطي في افق اشتراكي” !! و بلبوس ديمقراطي حداثي، فلربما لن يفيد هذا التقوقع الايديلوجي سوى في ارتكان الحرس القديم الى منطقة الراحة السياسيةpolitique ) (zone de confort مما يساهم في تركيس المحافظة اليسارية وتقليص هامش المواطنة لدى شعب اليسارسواء داخل الحزب أوخارجه …وطبعا لتكريس هذا الواقع الراكد status-quo) ( يتم اللجوء الى “خطاب الازمة” المتسم بنبرة يُشتَمُّ منها الخطر الداهم كما تمت الاشارة في في ارضية السيادة الشعبية الى ان هناك ربما ما يهدد السيادة الوطنية حتى تتبنى “نضالا يساريا للحفاظ على السيادة الوطنية !!”.او كالاشارة الى ضرورة تحويل “الإرادة الشعبية” إلى “سيادة شعبية” من أجل الحفاظ على “السيادة الوطنية” !! و تحصين الوطن و وحدته الترابية !!. مما يطرح اسئلة سياسية مشروعة هل هناك ما يتهدد “السيادة الوطنية”؟ فما هو؟ ومتى ؟ وكيف؟واين؟…
كما يمكن التسائل هل الوطن فعلا ليس محصنا؟ وهل باستطاعتنا كحزب متواضع لم يشارك قط في صنع القرار السياسي ولازال غض العود تنظيميا وخارج لتوه من انشقاق سياسي ان يعلب ادوارا سياسية تتجاوزه تنظيميا وسياسيا في الوقت الراهن؟ …طبعا ان هذا الخطاب السياسي ليس عقلانيا ، بل يحتضن العواطف ربما لاعتبارها ضرورية لتعزيز المشاركة السياسية عبرخطاب يتوسل التوحيد من نافذة الترهيب بوجود حالة طوارئ ما لاستصدار الحاجة الفورية إلى تغيير جذري في مسار الحزب .ويبدو واضحا أن التطرق الى حالة الأزمة تلك التي تتربص بالسيادة الوطنية ليس سوى عنصر خطابي آخر في الأسلوب الشعبوي اليساري يمكن استعماله في المحطات السياسية كأدوات تأطير مجازية كما سبق واشرنا الى ذلك اعلاه .
واظن ان الطرح الاكثر موضوعية هو القول ب”نضالنا اليساري للمساهمة في استكمال السيادة الوطنية ” لان ورش استكمال السيادة الوطنية ، ورش وطني عليه اجماع الاحزاب السياسية والدولة وكل طبقات المجتمع ….لذا فالمطلوب هو العودة خطوتين الى الوراء لاعادة البناء الحزبي افقيا وعموديا عبر معايير تتغيى عصرنة ورقمنة وتحديث البنية التنظيمية التي ان تحول بمقتضاها الحزب يوما ما الى حزب جماهيري انذاك سكون كما يقول المثل المغربي الدارج “قد فمك قد كتافك” لتمكينه من التحول المطلوب كما وكيفا لكي يكون جاهزا خلال المحطات السياسيةالانتقالية القادمة من ملك الى ملك، وسنكون انذاك قد اعددنا قيادات كارزمية تليق بالمرحلة وقادرة على تبني سياسة ديمقراطية اجتماعية باعتبارها مشروعا اساسيا لتغيير النظام الاقتصادي (القائم) وهي بعض الممارسات التي تكشف عن صعوبات دمقرطة المؤسسات وخلق بديل للنيوبرالية . لذلك يبدوا ان هناك حاجة ماسة إلى الجمع بين التفكير النظري والتحليل التجريبي والعمل الميداني لتقييم الإمكانات التي تقدمها الشعبوية اليسارية، فضلا عن مساهمتها في اليسار، والنتائج السياسية… (Garcia 2020 )
ان ما يعوزنا في الحزب الاشتراكي الموحد هو توازن مطلوب بين ثلاثية التفكير والتعبير والتدبير بما يوازي التنظير الايديولوجي ، الخطاب السياسي والتدبير التنظيمي . لان وضعنا الحالي يعاني من عدم توازن الثلاثية اعلاه يتجلى في تضخم الخطاب/التعبير وفقر التفكير/التنظير حيث تختلط النخالة بالدقيق حسب تعبير الرفيق الخمسي، و ايضا بقصور في التدبير الذي يتسم باللامبالاة وغياب حس المسؤولية عندما يتعلق الامر بالشأن الحزبي ماليا كان ام اداريا وهكذا يمقتنا الله…لاننا نقول مالا نفعل، و طبعا يترصدنا الخصوم السياسيون والدولة وذلك “الشعب” ايضا الذي نراهن عليه لتحقيق “ديمقراطية كاملة”.و”سيادة شعبية”…
وعموما فان اخذنا لمسافة نقدية من الارضية السيادة الشعبية تطلب و يتطلب منا ان النظر الى وجهنا في المرآة دون خجل، نعرف جيدا قدرنا ولاندعي ما لاطاقة لنا به ،ندرك جيدا ما لنا وما علينا بعيدا عن لغة الخشب لانه أفضل ان أكون “تروتسكيا” كما نعتني احد الرفاق المؤسسين على ان اكون ستالينيا يقتل الحزب ويمارس النفخ في مزامير داوود. وونعتز بحزبنا كحزب يسارشعبوي يتبنى شعبوية يسارية فالحزب لا يشكل خطرا لاعلى الدولة ولا على المجتمع، ولكن ايضا لا يمكن اعتبارتتبني الشعبوية اليسارية “حلًا” ((Gerbaudo, 2016 ، كما سيكون من الخطأ احتضان الشعبوية اليسارية كما لو كانت الخيار الوحيد والاوحد لإعادة تعريف اليسار. في الواقع، ينبغي دمج الشعبوية اليسارية مع أفكار أو تأملات أو ظواهر أو تقاليد أخرى من اليسار، وليس ربما حصريًا على اليسار بما يفيد الوطن، والشعب المغربي ، حتى ينكشف لنا المزيد ، وحتى يتمكن ذلك المزيج المتلاقح من الافكار ان يختمر ليسلط الضوء على إمكانيات وقيود الشعبوية اليسارية وفتح افاق ديمقراطية – اشتراكية واعدة.
مراجع
Abts, K. and Rummens, S. (2007). Populism versus democracy, Political Studies, 55(2): 405–424.
Arditi, B. (2007). Politics on the Edges of Liberalism: Difference, Populism, Revolution, Agitation. (Edinburgh: Edinburgh University Press).
Aslanidis, P. (2015). Is populism an ideology? A refutation and a new perspective, Political Studies, Online First. doi:10.1111/1467–9248.12224.
Aslanidis, P. (2016). Populist social movements of the Great Recession, Mobilization: An International Quarterly, 21(3): 301–321.
Barr, R. (2009). Populists, outsiders and anti-establishment politics , Party Politics, 15(1): 29–48.
Brassett, J. and Clarke, C. (2012). Performing the sub-prime crisis: Trauma and the financial event, International Political Sociology, 6(1): 4–20.
Freeden, M. (1996). Ideology and Political Theory: A Conceptual Approach. (Oxford: Oxford University Press).
Freeden, M. (1998). Is nationalism a distinct ideology?, Political Studies, vol. 46(4): 748–765.
Gerbaudo, P. (2017).The Mask and the Flag: Populism, Citizenism and Global Protest. (London: Hurst Publishers).
Hawkins, K. A. (2010). Venezuela’s Chavismo and Populism in Comparative Perspective. (New York: Cambridge University Press).
Jagers, J. and Walgrave, S. (2007). Populism as political communication style: An empirical study of political parties discourse in Belgium. European Journal of Political Research, 46(3): 319–345.
KioupkiolisA. (2016). Podemos: The ambiguous promises of left-wing populism in contemporary Spain, Journal of Political Ideologies, 21(2): 99–120.
Kriesi, H. and Pappas, T. S. (2015). Populism in Europe during crisis, in H. Kriesi and T. S. Pappas (eds.), European Populism in the Shadow of the Great Recession. (Colchester: ECPR Press), pp. 1–22.
Laclau, E. (1977). Politics and Ideology in Marxist Theory: Capitalism, Fascism, Populism. (London: New Left Books).
Laclau, E. (2005). On Populist Reason. (London: Verso).
March, L. (2007). From vanguard of the proletariat to vox populi: Left-populism as a“shadow” of contemporary socialism, SAIS Review of International Affairs, 27(1): 61–77.
March, L. (2017). Left and right populism compared: The British case, British Journal of Politics and International Relations, 19(2): 282–303.
Moffitt, B. (2015). How to perform crisis: A model for understanding the key role of crisis in contemporary populism, Government and Opposition, 50(2): 189–217.
Moffitt, B. (2016). The Global Rise of Populism: Performance, Political Style and Representation. (Stanford: Stanford University Press).
Moffitt, B. and Tormey, S. (2014). Rethinking populism: politics, mediatisation and political style, Political Studies, 62(2): 381–397.
Mudde, C. (2004). The populist zeitgeist, Government and Opposition, 39(4): 541–563.
Mudde, C. (2007). Populist Radical Right Parties in Europe. (Cambridge: Cambridge University Press).
Panizza, F. (2005). Introduction: populism and the mirror of democracy, in F. Panizza (ed.), Populism and the Mirror of Democracy. (London: Verso), pp. 1–3
Pappas, T. (2014). Populism and Crisis Politics in Greece. (Basingstoke: Palgrave Macmillan
Rosanvallon P. (2020). Le siecle du populisme , histoire, theorie, critique Éditions du Seuil, janvier 2020
Stanley, B. (2008). The thin ideology of populism, Journal of Political Ideologies, 13(1): 95–110.
Stavrakakis, Y. and Katsambekis, G. (2014). Left-wing populism in the European periphery: The case of SYRIZA, Journal of Political Ideologies, 19(2): 119–142.
Taggart, P. (2000). Populism. (Birmingham: Open University Press).
Taggart, P. (2004). Populism and representative politics in contemporary Europe, Journal of Political Ideologies, 9(3): 269–288.
Taguieff, P.-A. (1995). Political science confronts populism: From a conceptual mirage to a real problem, Telos, 20(103): 20–43.
Urbinati, N. (2014). Democracy Disfigured: Opinion, Truth and the People. (Cambridge: Harvard University Press).