بدر الجباري
عندما صرحت فيروز:
في عائلتنا، الحزن هو الحقيقة اليومية والفرح مجرد لحظة حلم
والقصة تلخصها أغنية “سألوني الناس”
سألوني الناس عنّك يا حبيبي… كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا.. بيعزّ عليي غني يا حبيبي… لأول مرة ما منكون سوا”.
بساطة الكلمات و سلاسة اللحن جعلا منها أغنية تسحر العاشقين سواء المفترقين منهم أو المتآلفين.
مقطع “لأول مرة ما بنكون سوا” هو الذي يعبر عن الحالة و الوضع الذي كانت تعيشه فيروز ساعتها… ذلك لأن رفيق دربها في الحياة (عاصي الرحباني) و الفن قد أصيب بنزيف على مستوى المخ ولم يكن قادرا على الحضور لبروفات و تحضيرات المسرحية الشهيرة “المحطة” التي كان موضوعها أن على الإنسان أن يحلم و يؤمن بحلمه بل عليه السعي و الكد لتحقيق ذلك الحلم. كان ذلك سنة 1972 حيث كان الرحابنة و فيروز في أوج التوهج و العطاء.
كلمات هذه الأغنية كانت من ابداع منصور الرحباني (أخ عاصي) والذي كان يصف بها مدى الألم و الحب الذي كانت فيروز تكتوي بناريهما معا. سمع زياد الرحباني (ابن فيروز وعاصي) كلمات عمه منصور و كان عمره أنذاك لا يتجاوز 17 عاما فتفتقت موهبته و راح يلحن الكلمات على مقام البياتي و الذي كان في نظره هو المقام الشرقي الجميل المعبر عن الحب و الحزن و الفرح و الألم و الشوق. كل هذه المشاعر كانت مختلطة وقتها. الأب في المستشفى يعاني مرضه و شوقه للمسرح و لرؤية حبيبته تبدع في مسرحيتها التي من تأليفه و الإبن يعاني مرض أبيه و تيهان أمه و فرحه بأول ألحانه و العم منصور بين حب العائلة و حب الفن و ألمه لما حل بتوأمه بل رفيقه في الفن.
بعد أن بدأ عاصي في التعافي سمع الأغنية و فغضب غضبا شديدا معتبرا أنها متاجرة في مرضه و لم يستسغ أنها تعبير عن علاقة حب فنية و روحية بينه و بين فيروز بل أن مرضه كان بمثابة الحافز الذي جعل الكل يعبر بإبداع و أناقة جميلين. مما خلق لديه الرغبة في إلغاء جميع العروض المبرمجة لمسرحية “المحطة”.
رغم ذلك، استسلم أخوه عاصي لقوة تأثير الأغنية على محبي فيروز في العالم العربي بل نجاحها و نجاح مسرحية “المحطة” فرضا على عاصي التراجع عن ما قرره و هو في لحظة غضب.
توفي عاصي بعد 14 عاما من خروج الأغنية ووقفت فيروز على المسرح لتغني “سألوني الناس” فبكت أمام الجمهور و أبكت العديد منهم الذين تأثروا بصدق مشاعرها.
في هذا المقتطف فيروز تصف بعضا من مشاعرها تجاه رفيق دربها و زوجها عاصي الرحباني.
عاصي هو اللي كان، وبعدو ما راح يكون.. عيلتنا متل التراجيديا الإغريقية، الفرح فيها شي موقت، والحزن والألم هو الأساس، وفرحنا الموقت كان الحلم. والحزن كان الحقيقة. بس ما كنت أعرف هالشي.. ما كنت أعرف إنه الإنسان إذا ضحك، راح يبكي ألف دمعة مقابل هالضحكة))