-فاس: أسامة أوفريد-
الشباب في الوطن العربي
تعتبر فترة الشباب من أهم المراحل العمرية في حياة كل إنسان فهي فترة تتميز بالتفتح والإقبال على البحث والتفكير والتأمل وهي مرحلة الرغبة بالتغيير، واكتشاف الذات والحياة والإقبال عليها،وتكوين شخصية يطبعها الفرح والمرح والمغامرة نظرا لما يتسم به الشباب من قوة وأمل وطموح وتفاؤل، باختصار هي لحظة لا تتكرر في حياته فيما بعد فهي من تمنحه الاستمرار المستقر والتابث.
رغم ما سردناه سابقا يعرف الوطن العربي قمعا وحصارا حقيقيا لكل طموحات الشباب باعتبارها الفئة الأكبر عدديا على المستوى الديمغرافي والمتطلعة دائما للترقي وتحسين ظروفها وتحقيق أحلامها، حيث يحاصر شباب الوطن العربي بالبطالة، والأجور الهزيلة، وانسداد أفق التعليم الجامعي،وغياب مراكز للترفيه والتكوين، وما هذا إلا نتاج لسياسات تقوم على تغييب الشباب من طرف الأنظمة الحاكمة بشمال إفريقيا والشرق الأوسط،هذا الشباب الذي أصبح يلجأ للهجرة كحل وكهروب من واقع يحاصره ويختار في لحظات كثيرة قوارب الموت، هذا الجيل الصاعد الذي بدل أن يكون بانيا لوطنه تتركه سياسات أنظمته وجبة للأسماك، دول يجب أن تمنح له متنفس حقيقي لتعبير عن آراءه لكن على عكس ذلك يصبح عرضة للاعتقال في أي لحظة لأنه اختار التعبير عن رأي معارض للمنظومة السائدة، هذا الشباب الحيوي الذي كله طاقة يجب أن يساهم في بناء الوطن ويفتح له مجال لكي يستطيع الفعل والتطوير يتم إجابته بقمع وحشي في كل شوارع العواصم العربية ويسيل دمه الزكي والطاهر فقط لأنه يدعو إلى إصلاح أنظمته واتباعها للسياسات اجتماعية تجعلها قوة بين الأمم.
إن جيلنا الصاعد الذي حرم من أبسط حقوقه كالتعليم والشغل والصحة والسكن والنقل، يصبح عرضة للتطرف والإرهاب نتيجة الفقر الذي يعيشه والقمع المسلط عليه مما يجعله لقمة صائغة للمتطرفين،أو يكون فريسة لتجار المخدرات بكل أنواعها مما يجعله عدميا وفاقدا للهوية ويائسا في الحياة ليدخل في موت سريري وجوده من عدمه سيان،أو يصير مجرما كردة فعل سلبية على هذا التفاوت الطبقي الذي يعيش ويحيى به، هنا لا نبرر هاته الأفعال أو نمنحها شرعية،هنا نعري واقع سياسة وطننا العربي وانعكاساتها السلبية على فئة كنا قد عرفناها قبل ذلك بكونها العصب الحقيقي لكل مجتمعات العالم، وبكونها المحرك الحقيقي لتقدمها ورقيها لا أن تصبح هي العالة وهي المعيق للتحولات المجتمعية الحقيقية وبدل أن تصبح هي سبب تقدم أوطان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ستصبح هي مفرمل هذا التطور.
هذا يجعلنا نطرح نقاشا حقيقيا حول وضع الشباب بالوطن العربي وحول ضرورة بناء أوطان حقيقية تجعل هؤلاء الشباب يساهموا في البناء لا أن يفروا إلى دول أخرى، وأن يكونوا عنصرا فعالا في التقدم لا أن يصبحوا قنابل مؤقتة أو هادمين للمجتمع، أن يعتبروا عمادا للأمة وازدهارها لا أن يحاصروا ويقمعوا ويزج بهم في السجون لتعبيرهم عن آراءهم ومواقفهم، الإجابة الوحيدة للشباب العربي هي الديمقراطية على ثلاث مستويات: السياسي،الاقتصادي،والاجتماعي.
الديمقراطية السياسية هي المدخل الأول والأساسي لتقدم أي وطن كان والتي يجب أن تبنى على فهم فلسفي، يقوم على جدلية الفكر والممارسة،لا كإجراء ينتج لنا مؤسسات صورية كما هو واقعنا اليوم،بل بتصور يقوم على الفصل الحقيقي بين السلط (السلطة التشريعية،التنفيذية،والقضائية)، مما يمنح قوة حقيقية للبرلمان ليشرع،مع قوانين تفرض ترشيح نخب سياسية غير فاسدة معروفة بنظافة اليد وبمشروع سياسي واضح يقوم على تحالفات سياسية مصلحتها الوطن ولا شيء آخر،وفي ظل هذا يكون للشباب مكان حقيقي وليس صوري لتأتيث المشهد السياسي العربي.
ديمقراطية اقتصادية تقوم على التوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية التي تضمن للطبقات المسحوقة حقوقها الاقتصادية وتأهلها للعيش الكريم الذي يصون كرامتها من خلال فرض ضرائب على الأغنياء لإيقاف ازدياد الغني غنى والفقير فقرا وللقطع مع الفساد الاقتصادي الذي يسبب عرقلة حقيقية لإقلاع اقتصادي بدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط،وهذا سينعكس بشكل إيجابي على فئة الشباب التي ستحس بعدالة اجتماعية داخل أوطانها مما يضمن لها تكافؤ فرص حقيقي يجعلها قادرة على الإبداع والتفكير أكثر،والعمل بجهد لأنه أصبح من الممكن العيش في دولة منتجة،ومتطورة،ومتقدمة،وتعرف تنمية اقتصادية وإقلاع نحو التنافس مع الدول الأخرى التي تعتبر رائدة في المجال الاقتصادي،هذا هو طموح الشباب العربي بدل التخلف الذي يجعل الإحباط هو الجواب السائد لدى جل الشباب.
الديمقراطية الاجتماعية والتي تضمن التشغيل والخدمات الاجتماعية لكل الشعب العربي ومنهم فئة الشباب (كالتعليم بجودة عالية،الصحة،النقل…) وهي من أساسيات تطور المجتمعات ومن أساسيات الحياة بالنسبة لفئة مجتمعية منتجة بشكل كبير كالشباب.
وهذا لن يأتي إلا إدا دافع الشباب أيضا على مجتمع متنور مؤمن بالاختلاف لكي يكون مكانا خصبا للرأي والرأي الآخر بعيدا عن التطرف والتعصب والعنف والعنف المضاد،بل موضعا للسجال الفكري والتدافع الايديولوجي، مما سيساهم في بناء مجتمعات ودول عربية تقوم على دمقرطة الدولة والمجتمع،لتضمن الجدلية المحركة بشكل حقيقي للأمم وهي جدلية الدولة والمجتمع وبهذا سيجد الشباب نفسه في دول تحترمه وتقدره وتعتمد عليه في تقدمها.