-تطوان: أحمد الخمسي-
قبل عصر الانترنت، كانت الصحافة تنشر الأخبار بعد مرورها من مصفاة هيئة التحرير، من جهة لأن الرقابة القبلية دخلت المطابع قبل خروج الصحف منها في كل ظرف عصيب تخشى الدولة مضاعفات الحقائق بما قد يطفو أمواجا من المتظاهرين لا قبل للصيغة الامنية بمعالجتها… ومن بعد أصبحت الرقابة البعدية تجعل الصحف بعد توزيعها قيد السحب من الاكشاك…وبعد ذلك أصبحت الرقابة جزئية في اقليم او مدينة فقط… في جميع الاحوال لم تكن الأخبار طازجة طرية مثل اليوم لأن شغل المطابع وشركة التوزيع كان يتطلب أكثر من 30 ساعة قبل النزول الى القراء… ثم إن حسابات البيدر في المكاتب المغلقة لم تكن تطابق حسابات الحقل حيث تجري وقائع الاخبار….علما أن ليست كل واقعة مثيرة لها حظ التحول الى خبر… بالتالي بقي التفاوت بينا بين الحقائق الارض وحقائق الصحافة… مما جعل الالتزام بقضايا الناس يدفع بعض الملتزمين الى البقاء – قدر الامكان – قرب الناس لالتقاط الاخبار من نبعها الاول …
سنة 1978 في نقاش مع أصدقاء اتحاديين -زمن الخدمة المدنية- راهن المتحدث على حتمية التكيف مع الوظيفة والتحول الى موقع البرجوازية الصغيرة من خلال مسلسل التملك للمنزل والسيارة ووو… كان الموقف الشخصي أن الحياة المتحركة عبر الطاكسي والحافلة ليست من باب المستحيل… بل ولها منافع تفيد الارتباط بالواقع بما يكفي من الكثافة وبالتالي كان الاصرار الصامت على عدم التوفر على رخصة السياقة سبيلا لقطع دابر التحول التدريجي المحتمل المشار اليه… في المقابل كانت مرافقة الناس في الطاكسي والحافلة بمثابة الانترنت ساعتها… لأن في الطاكسي والحافلة تتنوع عينات ردود الفعل حول الاسعار وكل القرارات المجحفة في حق البسطاء… اليوم مجرد اتخاذ مثل القرار السابق ذكره سيحسب شكلا من أشكال التطرف…. ولواقع اليوم طبعا ما أصبح مدعاة لتهمة التطرف مثل وضع قيود شخصية على بعض أشكال الروابط التكنولوجية على الشبكة العنكبوثية… لتفادي العبودية الطوعية للتكنولوجيا…
تختلف الاختيارات في نمط الحياة والالتزامات ضمنه، لكن الثقافة السائدة لها مفاعيل المقاومة كي ينضبط الناس جميعا لنمط العيش السائد… وعندما يرغب البعض في الاختلاف للثقافة السائدة أدواتها في تفسير الاختلاف بالتأويل المغرض… ما لا يعيه البعض هو سقوط معايير العيش البديل عبر الاذعان السلس للمجتمع الاستهلاكي بسبب عدم الانتباه الى كون ادعاء نمط بديل لا يستقيم اذا لم يترجم في تفاصيل العمر
مما أسرى بعبده الى قناعة راسخة ثلاثية= الثورة لا تكون اقرب الى التحقق سوى اذا مارسها الشخص في حق نفسه، ليبقى الاصلاح ممارسة تجاه النظام السياسي، بينما استمرار التسطيح والتبسيط في النسيج الاجتماعي المحافظ يدعو الى الاذعان
مقابل هذه الثلاثية تدعو الثقافة السائدة الى قلب المثلث ليسير على رأسه. فتصبح الثورة ثرثرة يومية ضد الدولة، تستكمل بالادعاء اللفظي بصدد اصلاح المجتمع، ليكشف الناس الاذعان المطلق بصدد التحول نحو نقيض المنطوق بصدد الثورة والاصلاح فينحو الحداثيون نحو المحافظة اليومية في نمط العيش عائليا ومهنيا ومجتمعيا الا على صعيد الكلام الاجوف لا حداثة ولا عدالة ولا يحزنزن… لتعود الاسئلة الحارقة = لماذا تقدم الغرب وتخلف الشرق.؟
وفي لحظة أخرى ولو بعد حين يصبح القول السائر جاهزا= الشرق شرق والغرب غرب.