الأربعاء, يناير 8, 2025

ستون عاما على نهاية الحرب الجزائرية

محمد مشنان

بدأ استعمار فرنسا للجزائر بالغزو الذي قامت به عام 1830. لم تكن تلك مهمة سهلة بالنسبة للجيش الفرنسي. فقد استمرت المقاومة، التي نظمها الأمير عبد القادر، حتى نهاية أربعينيات القرن التاسع عشر، وتواصلت الثورات تندلع بانتظام حتى بداية القرن العشرين. ومثلها مثل كل الغزوات الاستعمارية، ترافقت تلك الحملة مع مذابح شنيعة استفزت الرأي العام حتى في فرنسا.

وبسرعة كبيرة شجعت باريس الهجرة إلى مستعمرتها، من فرنسا ومن بلدان أوروبية أخرى أيضا. في عام 1954، في بداية حرب الاستقلال، كان عدد الأوروبيين الذين يعيشون في الجزائر -“الأقدام السوداء”- يقارب المليون نسمة. والذين كان العديد منهم، على خلاف الاعتقاد السائد، فقراء جدا. كان متوسط ​​مستوى معيشتهم أقل من متوسط ​​مستوى المعيشة في فرنسا. وإلى جانب فئة كبيرة من صغار التجار والموظفين، كانت هناك طبقة عاملة صغيرة من أصل أوروبي.

وفوق هؤلاء المستوطنين الصغار، كان هناك عدد قليل من كبار مالكي الأراضي الذي يحتكرون أجود الأراضي على حساب السواد الأعظم من الفلاحين الجزائريين. كان “الأهالي”، الذين كان يشار إليهم فيما بعد باسم “المسلمين”، يتألفون أساسا من ملايين الفلاحين الفقراء أو الذين لا يملكون أرضا، لكنهم كانوا يتألفون أيضا من بروليتاريا جنينية وبرجوازية صغيرة في صعود. في عام 1954، كان المسلمون يشكلون تسعة أعشار السكان، لكنهم كانوا محرومين من معظم الحقوق المدنية.

الجزائر، بالنسبة للبرجوازية الفرنسية، كانت بالدرجة الأولى مصدرا للمواد الخام والمنتجات الزراعية للتصدير. ونتيجة لذلك فإنها لم تستثمر في تطوير الاقتصاد، الذي استمر متخلفا جدا مقارنة بفرنسا، ويفتقر بشدة إلى البنية التحتية الحديثة.

تطورت الحركة الاستقلالية الجزائرية منذ بداية القرن العشرين. وسعت جاهدة لكسب دعم الحركة العمالية الفرنسية. دافعت قيادة حزب SFIO (الاشتراكي) عن فكرة الاستعمار “الإنساني” و”الحضاري”، لكن الحزب الشيوعي (الذي تأسس عام 1920) تبنى موقفا مؤيدا بشدة لحق الاستقلال. وفي اتفاق كامل مع مواقف الأممية الشيوعية (قبل انحطاطها الستاليني)، قام الحزب الشيوعي الفرنسي بالمساعدة في تنظيم العمال الجزائريين سياسيا في فرنسا، وانفتح فرعه الجزائري على المواطنين الجزائريين. وبتأثير من ليون تروتسكي، الذي كان يتابع تطور الحركة الشيوعية الفرنسية، تم طرد القادة المحليين من الحزب بسبب رفضهم السماح للمسلمين بدخول الحزب.

وهكذا فقد مر العديد من قادة حركات التحرر الجزائرية لأول مرة عبر صفوف الشيوعيين في عشرينيات القرن الماضي. فمصالي الحاج، مؤسس أول حزب استقلالي جزائري، نجم شمال إفريقيا، كان في أيامه الأولى ناشطا شيوعيا.

لكن وبعد انحطاطه الستاليني، ضاعف الحزب الشيوعي الفرنسي الأخطاء والخيانات تجاه النضالات ضد الاستعمار. وفي ظل حكومة الجبهة الشعبية (1936)، وافق الحزب على حظر حزب نجم شمال إفريقيا، من قبل حكومة ليون بلوم، وكذلك اعتقال العديد من قادته. عندها انقطع الارتباط بين تنظيمات الحركة العمالية الفرنسية وبين حركة التحرر الجزائرية.

السنوات الأخيرة من الحرب

لكن سرعان ما وجد نظام ديغول الاستبدادي نفسه في نفس المأزق الذي كان عليه سلفه. لقد أصبح الشعب الجزائري أكثر تجذرا بسبب القمع، وبدأ يدعم بشكل كبير جبهة التحرير الوطني. وكانت البرجوازية في الداخل الفرنسي تريد أن تضع حدا لمغامرة مكلفة للغاية تهدد استقرارها السياسي واقتصادها. كما أن الطبقة العاملة بعد أن رأت الانتهاكات وعمليات التعذيب، بدأت تعارض بشكل متزايد “الحرب القذرة” التي يفقد فيها الآلاف من المجندين الشباب حياتهم. فسعى ديغول إلى حل تفاوضي مع جبهة التحرير الوطني واعترف، في عام 1959، بحق تقرير المصير للجزائر.

شعرت البرجوازية الصغيرة الاستعمارية بالخيانة وحاولت إعادة تنظيم انقلاب ماي 1958. في أبريل 1961، أثارت محاولة الانقلاب المستوطنين المتطرفين في الجزائر، بدعم من العديد من الجنرالات والمظليين والفيلق الأجنبي. لكن غالبية الجيش لم تستجب واستعاد النظام الديغولي السيطرة على الوضع. فقام الانقلابيون المتشددون بتأسيس منظمة الجيش السري (OAS)، وهي منظمة إرهابية ذات توجه فاشي، ضاعفت الهجمات المميتة على جانبي البحر الأبيض المتوسط. لكن وعلى الرغم من مساعدتهم، فإن الحرب كانت في الواقع قد دخلت مرحلتها النهائية، ولم يكن أمام ديغول من خيار سوى التفاوض مع جبهة التحرير الوطني.

لم تكون السنوات الأخيرة من الصراع أقل دموية. إذ من أجل منع جبهة التحرير الوطني من التفاوض من موقع قوة، بدأ النظام الديغولي يستخدم في داخل فرنسا الأساليب التي كانت تستعمل حتى ذلك الحين في الجزائر فقط. نفذت الشرطة عمليات مداهمة واسعة النطاق في صفوف العمال الجزائريين في فرنسا. انتشر التعذيب في مراكز الشرطة الباريسية. وفي 17 أكتوبر 1961، تم قمع مظاهرة من أجل السلام -نظمت بدعوة من جبهة التحرير الوطني- بشكل دموي في قلب باريس. أطلقت الشرطة الذخيرة الحية وألقت المتظاهرين الجرحى في نهر السين. تسبب القمع الذي مارسته الشرطة الباريسية، في خريف عام 1961، في مقتل المئات.

في 18 مارس 1962، وضعت اتفاقيات إيفيان التي وقعتها جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية حدا للحرب. أصبحت الجزائر جمهورية مستقلة بقيادة جبهة التحرير الوطني. تم تنفيذ سياسة إصلاح زراعي وتأميم جزئي في محاولة لتطوير البلاد، لكن دون الإطاحة بالرأسمالية أو الانفصال عن أهم الشركات الفرنسية.

وإذا كانت سياسة الاقتصاد المختلط تلك قد أدت إلى تحسين مستوى معيشة الجماهير، فإنها أدت كذلك إلى أثراء بيروقراطية فاسدة مستولية على السلطة. بعد الاستقلال، دخل قادة جبهة التحرير الوطني في صراعات بيروقراطية بينهم على السلطة. وفي عام 1965، أسس العقيد بومدين دكتاتورية عسكرية ما يزال ورثتها على رأس الدولة حتى الوقت الحالي. وما تزال الشركات الأجنبية، وخاصة الفرنسية منها، تهيمن على الاقتصاد الجزائري حتى اليوم. كانت هذه الوضعية هي التي أدت إلى انتفاضة الجماهير الجزائرية في السنوات الأخيرة.

الطبقة العاملة الجزائرية هي اليوم أقوى من أي وقت مضى. وحدها الثورة الاشتراكية التي ستجعل من الممكن تطوير البلد وتخليصه من سيطرة الجنرالات والقوى الإمبريالية. وفي فرنسا، يجب على الحركة العمالية أن ترى ما وراء التصريحات المنافقة عن “التوبة والندم” من جانب جزء من البرجوازية. ماكرون يذرف دموع التماسيح على جرائم الحرب الجزائرية، لكنه يدافع عن الشركات الفرنسية التي أثراها الاستعمار ويرسل قوات للدفاع عن مصالحها في منطقة الساحل.

يجب على الحركة العمالية أن تضع حدا لهذا النفاق. يجب علينا أن ندين الجرائم السابقة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، لكن يجب علينا أيضا أن نهاجم ورثته، أولئك الذين استفادوا من معاناة الجزائريين والمجندين الفرنسيين الشباب، أولئك الذين ما زالوا حتى اليوم يرسلون حملات عسكرية للدفاع عن مصالحهم وسيطرتهم الطبقية.

لإنهاء إرث الهمجية الاستعمارية لا بد من مصادرة أملاك كبار الرأسماليين الفرنسيين، الذين قامت ثروتهم على قرون من استغلال العمال (المستعمَرين والفرنسيين).

توماس دي

18 مارس/آذار 2022

ترجم عن النص الفرنسي:

Il y a 60 ans, la fin de la guerre d’Algérie

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist