الأربعاء, يناير 8, 2025

من أجل استكمال الصورة حول المغرب كما كان (ح1)

news

تطوان: أحمد الخمسي

تعضد السياسات العمومية الهزيلة والطبقية نفسية الدونية لدى المغاربة تجاه البلدان الاجنبية مما يسقطنا ضحايا تحليلات بئيسة لما يستجد من مواقف وقضايا، بينما لم يتوقف الشعب و(مؤسسات الدولة في اللحظات المضيئة طبعا خلال كل العائلات التي حكمت البلاد) عن اتخاذ المواقف والتضحيات الضرورية.

لنسترجع معطيات لم توفر السلطات ضمن دروس التعليم العمومي ومارست التعتيم. غير أن الأمر لم يعد بيدها اليوم بعد الثورة التكنولوجية.

منذ ظهرت المكتبات الالكترونية على الشبكة العنكبوتية وأنا أبذل قصارى الجهد للبحث عما كتبه الغرب المتقدم حول هذا البلد الذي يوجد ما بين قارتين وفي ممر حيوي تمر منه يوميا ناقلات البترول وحاملات الأسلحة وربما الرؤوس النووية الغربية ذهابا وايابا.

الخلاصة الأولى، أن الكتابة السياسية الهادفة الى المس بحجم البلد تقلص الاسم الى حدود إحدى عواصمه باللكنة البرتغالية مراكش/ماروك. وفي الكتابات التاريخية المحايدة وكذا الاتفاقيات الرسمية يرجع الغرب إلى الاسم المعترف به قرونا خلت= الامبراطورية الشريفة.

فهل (الامبراطورية الشريفة) مجرد صيغة دبلوماسية أم (ماروك /مارويكوس/موروكو)، إمعان إمبريالي للإذلال وتكريس لدونية البلد دولة وشعبا ؟؟؟؟ أنا لا أتحدث عن الحاضر فقد بلعنا صنارة الاسم واصبحنا نطابق بين البلد والمغرب. بل استرجع مسلسل الاذلال الامبيريالي . فلو كان ميزان القوى منقلبا لربما كان شعب الايكزاكون قد الف اسم بلده باريس او ليون او مارسيليا.

وإذا ما أردنا أن نطلع فقط عن الصورة التي اتخذها الغرب عن المغرب كونه شكّل امبراطورية فيما مضى فلأن الوعي الجمعي لدى اهم شعوبه ذات الامتداد البحري والتي اصبحت لها دول امبراطورية استعمارية فيما بعد هي التي قرأت في كتب مؤلفيها ان كيانا سياسيا في الغرب الاسلامي له من القوة العسكرية ومن الاتساع الجغرافي ومن النفوذ السياسي (قبل قيام الخلافة العثمانية وخلال وجود الخلافة العثمانية) ما يجعل منه أحد الكيانات السياسية الثلاثة في البحر الابيض المتوسط وهو أقدمهم = إسبانيا والعثمانيين.

فها هو الملك الانجليزي (جون = 1199- 1216) في مأزق يطلب من السلطان الموحدي (الناصر= 1199- 1213) الاتيان الى انجلترا لإنقاذه من مثلث البابا وملك فرنسا والنبلاء المحليين، ويذكر المصدر الانجليزي (حول العلاقات المغربية الانجليزية) ان الملك الانجليزي كان مستعدا لاستبدال مسيحيته بدخول الاسلام لو تم انقاذه من طرف سلطان المغرب. لكن ما حال دون ذلك هو انهزام محمد الناصر في معركة العقاب (1212) بالاندلس.

وها هي الملكة الانجليزية بعد أربعة قرون تطلب من سلطان المغرب (المنصور الذهبي= 1578-1603) المشاركة ضد اسبانيا لتحرير البرتغال من الاحتلال الاسباني، وبالمال فقط نظرا لما اصبح يعرف ساعتها عن المغرب من ثروات الذهب والقوة التجارية. فيرفض المغرب لان اقتراحه المقابل كان الاتفاق على استراتيجيا مشتركة مع انجلترا للسيطرة على امريكا حيث توجد اسبانيا.
من جانب فرنسا مرتان على الاقل بل الاكثر شهرة: المرة الاولى نفس الطلب للتحالف ضد اسبانيا بصددقضية البرتغال من طرف الملك هنري الرابع موجه الى المنصور الذهبي وهذه المرة كان حساب سلطان المغرب الحذر من تعبئة إسبانيا للأمراء السعديين الموجودين لاجئين لديها بعدما كانوا ضمن جيش ملك البرتغال في معركة وادي المخازن وبعد رفض انجلترا الاستراتيجيا المشتركة بصدد مستعمرات إسبانيا في أمريكا.

اللحظة الفرنسية الثانية هو إرسال لويس الرابع عشر مبعوثه رولان فيرجوس (كتب مؤلفا حول رحلته الى المغرب ( Calliga.BnF) ليلتقي مولاي الرشيد (السلطان الفيلالي كما كان يعرف لدى الفرنسيين ساعتها ) بتازة سنة 1666 بصدد الأسرى الفرنسيين في المغرب لدى الموريسكيين بسلا…

وسوف يمر ما يقرب القرنان، ليرد المغرب الصاع لانجلترا على رفضها التحالف من قبل ليعترف باستقلال الولايات المتحدة سنة فقط (1777) بعد اتفاق الزعماء الامريكان على دستور دولتهم الجديدة في فيلاديلفيا (1776)…

من يطالع ملخص تاريخ المغرب لعبد الله العروي، يجد أنه أنجز عملا جبارا للرد على الاطروحة الغربية بصدد تفسير احتضان الامازيغ الاسلام والعروبة جزئيا مقابل طي صفحة المحيسية الدوناتية والكاثوليكية الرومانية…علما أن البعثة العلمية الفرنسية كانت قد أجابت بنفس جواب العروي على لسان ميشو بيلير عند دراسته الزوايا في المغرب.

الخلاصة من كل هذا إن نفسيتنا كمغاربة، بقيت عند التفسير المنخفض الذي استطاع الكتاب المدرسي تمريره الى عقولنا والموروث مضمونه من التشذيب الاستعماري لأنجنحة معنوياتنا التاريخية لنبقى نشعر كما لو كنا أولئك السكان المتخلفين مجرد خلف مستعمرة مهزومة صغيرة. لم يبذل لا اللبيراليون ولا اليساريون ولا الأصوليون أي جهد لاسترجاع فقط الصورة التاريخية كما كانت لا أكثر. هذه الجريمة الثقافية ارتكبها الجميع.

فيما يتعلق بالدولة بذلت الجهد بهدف سياسوي محض، لتغليب النظرة المحافظة ولجمع ولاء علماء الدين عندما كانت رابطة علماء المغرب تتخذ مواقف لصالح مطالب الشعب (عهد الراحل عبد الله كنون)

وإذن ما زال أمام المغاربة التقدميون مهام استكشاف الحقائق التي أخفتها أهداف الحزب الاستعماري في فرنسا (وليس كل الشعب الفرنسي طبعا). من أهداف الحزب الاستعماري في فرنسا كل مرة الانتقام من الهزيمة الكبرى امام انجلترا في عهد نابليون وحروبه المدمرة.

أخيرا ليست العبرة بالامبراطورية ولا بالدولة المدينة، فسنغفورة التي انفصلت عن ماليزيا سنة 1960 ينعم مواطنوها بأحسن وضع بين مواطني العالم. لكن تمثُّـــلا أحْوَلَ وغير مطابق للصورة التي كان عليها البلد قرونا طويلة تركه كما هو جريمة في حق التصور المستقبلي للأجيال الصاعدة في حق نفسيتهم وعلاقتهم بذاكرتهم المستحقة. فمن حقهم ان يفصلوا ذاكرة بلدهم عن الصورة الاستعمارية التي سكت آباهم عن الانتقاص منها والمس بمكوناتها كما كانت. فالهدف مستقبلي معنوي يتلخص في امتلاك حقيقة الذاكرة الجماعية كما هي لا غير. وللأجيال الصاعدة ان تتصرف مع معطيات الذاكرة وفق ما يدعم قيمها الجديدة ومصالحها ودورها الايجابي في عالم الغد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist